السكري يهدّد اقتصادات الشرق الأوسط بتكلفة قد تبلغ 1.5 تريليون دولار بحلول 2050
المؤشر 15-11-2025 يتقدّم السكّري ليصبح أحد أكبر التهديدات غير المرئية للنمو، في الوقت الذي تتسابق فيه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لبناء اقتصادات أكثر تنوّعاً واستدامة.
تُظهر دراسة جديدة أن المرض لم يعد عبئاً صحياً فقط، بل يتحوّل إلى نزيف اقتصادي قد يتجاوز 1.5 تريليون دولار سنوياً بحلول منتصف القرن، ما يضع صانعي السياسات أمام اختبار صعب، وهو إمّا الاستثمار العاجل في الوقاية، وإما مواجهة فاتورة متصاعدة قد تعرقل مسار التنمية في المنطقة
التكلفة الاقتصادية اليوم وإلى أين تتجه؟
تقدّم الدراسة، التي أعدّتها جامعة برمنغهام دبي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أوسع تقدير حتى الآن لعبء السكّري في 22 دولة بالمنطقة.
ووفقاً للنتائج، بلغت تكلفة المرض في عام 2023 نحو 639 مليار دولار، أي ما يعادل 5.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي
لا تُظهرهذه الكلفة حجم المشكلة فحسب، بل تكشف أيضاً أن الأزمة مرشّحة للاتساع سريعاً إذا لم تتغيّر الاتجاهات الحالية، خصوصاً أن عدد المصابين مرشّح للارتفاع من 74 مليون شخص اليوم إلى 150 مليوناً بحلول 2050.
العبء الحقيقي.. ليس في المستشفيات بل في الإنتاجية الضائعة
اللافت في نتائج الدراسة أن نحو 89 في المئة من العبء الاقتصادي للسكري في المنطقة يكون من الخسائر غير المباشرة، وعلى رأسها تراجع الإنتاجية وغياب العمالة ووفاة المرضى قبل أوانهم.
وبحسب الباحثين، فإنّ هذه الخسائر تفوق بكثير كلفة العلاج المباشر، ما يعني أن الاقتصادات الإقليمية تدفع الثمن الأكبر خارج القطاع الصحي، في الشركات وساعات العمل ومستوى الإنتاج.
وفي حال استمرار هذا المسار، قد تقفز الكلفة السنوية إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2050، أي أكثر من ضعف ما يُسجَّل اليوم
لماذا المنطقة الأكثر عرضة عالمياً؟
تُسجّل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى معدّل إصابة بالسكري عالمياً، ليس فقط بين البالغين، بل أيضاً بين الأطفال والمراهقين.
وتشير البيانات إلى وجود أكثر من 192 ألف طفل ومراهق مصاب بالنوع الأول من السكري في المنطقة، وهو رقم يفوق العديد من المناطق الأخرى.
ويعود ذلك إلى مجموعة عوامل متشابكة تشمل تغيّر الأنماط الغذائية، ارتفاع معدلات السمنة، قلة النشاط البدني، وتحوّلات نمط الحياة في المدن.
وفي دول مثل الإمارات، تُظهر التقديرات أن 16.3% من السكان يعانون من السكري، مقارنة بجنبه عالمي يبلغ نحو 9.3%.
صحة السكان.. واستدامة النمو
اعتمد الباحثون في تحليلهم منهجية «تكلفة المرض»، مستندين إلى بيانات الاتحاد الدولي للسكري ومعهد القياسات الصحية والتقييم والبنك الدولي.
وأعطى النموذج أهمية خاصة لقيمة سنوات الحياة الإحصائية، وهو قياس اقتصادي يُستخدم لاحتساب كلفة الوفاة المبكرة بما يشمل خسائر تفوق نطاق الإنتاجية التقليدية.
يبرز هذا النهج بوضوح كيف يتحوّل المرض إلى عامل مباشر في كبح إنتاجية المجتمعات وقدرتها على الحفاظ على وتيرة نمو مستدامة، خصوصاً في الاقتصادات التي تسعى جاهدة إلى تطوير قطاعات صناعية وخدمية جديدة.
تحذير مباشر لصناع القرار
تعد الرسالة الأساسية التي تخرج بها الدراسة واضحة وهي أن السكّري ليس أزمة قادمة، بل أزمة قائمة بالفعل، تتوسع سنوياً وبصمت.
ومع أن الحلول الوقائية معروفة، من تعزيز حملات الوعي إلى تحسين منظومات الغذاء وتشجيع النشاط البدني، إلا أن حجم الاستثمارات في الوقاية لا يزال أقل بكثير من المطلوب.
وكما قال الباحث المشارك ومدير برنامج الصحة العامة في جامعة برمنغهام دبي، خالد المشرف، فإنّ المرض «يستنزف اقتصاداتنا بصمت»، مؤكداً أن الاستمرار في تجاهل الوقاية سيجعل الكلفة «لا يمكن احتمالها».
الآفاق المقبلة.. مفترق طرق اقتصادي وصحي
إذا استطاعت دول المنطقة تحويل مسار المرض عبر استراتيجيات وقائية حقيقية، يمكن تفادي جزء كبير من الخسائر المتوقعة بحلول 2050.
لكن في غياب هذه الخطوات، ستظل الفاتورة في تصاعد، وقد تجد الاقتصادات نفسها أمام تحدٍّ لا يقلّ وزناً عن تحديات الطاقة والبطالة والتنويع الاقتصادي.
فالمرض، كما تشير الدراسة، أصبح قضية اقتصادية بقدر ما هو قضية صحية، ومعالجته مبكراً تعني حماية النمو الإقليمي لعقود مقبلة.



