جنون الغذاء يهدد الأرض.. كيف تحولت موضات الطعام إلى قنابل مناخية صامتة؟
المؤشر 15-11-2025 على مدى السنوات الماضية، تحولت موضات الطعام من ظاهرة اجتماعية إلى قوة اقتصادية ضخمة تُحرّك سلاسل التوريد العالمية وتُغيّر أنماط الإنتاج الزراعي.
ومع كل موجة غذائية جديدة، من التوست بالأفوكادو إلى اللاتيه بالماتشا، يتنافس المستهلكون على منتجات تُقدّم كأنها صحية وصديقة للبيئة.
لكن خلف هذا البريق، تتكشف تكلفة بيئية ومناخية كبيرة، تقود في النهاية إلى ضغوط اقتصادية على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
باتت هذه الاتجاهات الغذائية، التي ازدهرت بفعل وسائل التواصل وسلاسل المقاهي العالمية، تُسهم في تسريع إزالة الغابات، وتفاقم ندرة المياه، وارتفاع الانبعاثات، مع انعكاسات مباشرة على الأمن الغذائي وتكاليف الإنتاج عالمياً.
والنتيجة أن موضات الغذاء، التي تبدو عابرة، تترك وراءها آثاراً دائمة على المناخ والاقتصاد.
في المكسيك وتشيلي، تحوّل الأفوكادو إلى «ذهب أخضر» يستهلك نحو 320 لتراً من المياه للحبة الواحدة، ما أدى إلى استنزاف موارد المياه وتوسع الزراعة غير القانونية وحتى تضخّم نفوذ جماعات إجرامية مرتبطة بالسوق العالمية.
ومع ارتفاع الطلب، تواجه المجتمعات المحلية منافسة حادة على المياه العذبة، بينما تتراجع مساحات الغابات.
الفستق.. محصول فاخر يبتلع موارد المياه
يتكرر المشهد ذاته مع الفستق الذي أصبح محوراً لمنتجات الشوكولاتة الفاخرة.
ورغم ترويجه كمحصول يتحمل الحرارة، يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد منه إلى نحو عشرة آلاف لتر من المياه.
تدفع دول مثل إسبانيا وإيران الثمن عبر تراجع مخزون المياه وتوسع الزراعة الأحادية التي تُقلّص التنوع الحيوي.
الماتشا.. اتجاه عالمي يرهق الإنتاج الياباني
أما الماتشا، التي تحولت من عنصر ثقافي ياباني إلى ظاهرة عالمية، فقد قفزت واردات ألمانيا منها في 2024 بنسبة 240 بالمئة لتصل إلى 240 طناً.
يرفع هذا الطلب المتسارع الأسعار ويضغط على المزارعين الصغار، في وقت تستهلك فيه عملية التصنيع والطحن كميات كبيرة من الطاقة، ما يزيد من بصمتها الكربونية.
الكينوا.. ضحية شهرتها العالمية
في أميركا الجنوبية، انقلبت طفرة الكينوا على المجتمعات المحلية. فمع تضاعف الطلب العالمي بعد 2013، ارتفعت الأسعار إلى حد جعل سكان بوليفيا والبيرو عاجزين عن شراء محصولهم التقليدي.
وكانت النتيجة تدهور التربة وتسارع الزحف الزراعي على أراضٍ هشة، مع تراجع تربية اللاما التي شكّلت تاريخياً جزءاً من دورة الإنتاج.
حليب اللوز.. البديل النباتي الأكثر استنزافاً للمياه
وإذا انتقلنا إلى الحليب النباتي، فإن صناعة حليب اللوز تُعد من الأكثر استهلاكاً للمياه، إذ يحتاج إنتاج 100 مل منه إلى نحو 100 لتر من المياه.
وفي كاليفورنيا، التي تنتج معظم لوز العالم، أدى الإفراط في الضخ إلى هبوط الأراضي الزراعية في وادي سان خواكين، ما خلق تحديات اقتصادية وبنيوية في قطاع مهم يعتمد عليه ملايين العمال.
الصويا والتوفو.. الزراعة التي تُغيّر وجه أميركا الجنوبية
يُعد فول الصويا، الذي تقوم عليه صناعة التوفو وأغلب البروتينات النباتية، بدوره من أكبر محركات إزالة الغابات في أميركا الجنوبية، خصوصاً في منطقة السيرادو البرازيلية التي فقدت نحو نصف مساحتها لصالح الزراعة والمراعي.
ورغم أن غالبية إنتاج الصويا، قرابة 75 بالمئة، يُستخدم كعلف للحيوانات وليس للأغذية النباتية، فإن أضراره البيئية تُحتسب على قطاع كامل يُسوّق نفسه باعتباره أخضر.
زيت النخيل.. المادة الأخطر في الصناعات الغذائية
ويُعد زيت النخيل، وهو الأكثر انتشاراً في الصناعات الغذائية، مسؤول عن تدمير مساحات ضخمة من غابات إندونيسيا وماليزيا، مع تقلص أعداد الأورانغوتان إلى النصف تقريباً.
كما تترافق زراعته مع انبعاثات مرتفعة ومئات النزاعات على الأراضي، ما جعل قضية الاستدامة في هذه الصناعة محل شك واسع.
اللحم البقري.. الانبعاثات الأكثر تأثيراً على المناخ
ويظل اللحم البقري أحد أكثر السلع الغذائية تأثيراً على المناخ، إذ ترتبط تربية المواشي بـ70 بالمئة من إزالة الغابات في أميركا اللاتينية، إضافة إلى انبعاثات الميثان المرتفعة.
ورغم تراجع استهلاك الأميركيين بنسبة 19 بالمئة خلال عقد، فإن الأثر البيئي يبقى ضخماً مقارنة بأي مصدر غذائي آخر.
القهوة.. فنجان يومي بثمن مائي ومناخي مرتفع
ولا يختلف المشهد كثيراً مع القهوة التي تتطلب 140 لتراً من المياه للفنجان الواحد، وسط تراجع الزراعة التقليدية المظلّلة لصالح الزراعة المكثفة المعتمدة على الأسمدة.
كما يولد القطاع نفايات ضخمة، بينها مليارات الأكواب الورقية التي تُهدر ملايين الأشجار سنوياً.
الأسماك.. موضة السوشي في مقابل انهيار المخزون البحري
أما الأسماك، التي أصبحت محوراً لموضات السوشي والبوك، فتواجه صيداً جائراً يهدد أنواعاً رئيسية مثل السلمون والتونة.
وتتحمل الدول النامية، التي تُصدّر نصف إنتاج العالم، كلفة اجتماعية تتمثل في ارتفاع أسعار البروتين المحلي وحرمان مجتمعات كاملة من مصدر غذائها الأساسي.
الشوكولاتة.. ترف عالمي قائم على تحديات اجتماعية وبيئية
وفي غرب إفريقيا، تُعد الشوكولاتة مثالاً صارخاً على اختلاط الأثر البيئي بالبعد الاجتماعي، إذ يواجه صغار مزارعي الكاكاو تدنياً كبيراً في الدخل، بينما فقدت المنطقة أكثر من 90 بالمئة من غاباتها الأصلية.
منتجات الألبان.. انبعاثات خفية واستهلاك ضخم للمياه
ويعزز قطاع الألبان الفجوة المناخية بدوره، إذ يتطلب إنتاج الزبدة والزبادي المصفى كميات مضاعفة من الحليب، ما يرفع استهلاك المياه ويزيد من انبعاثات الميثان المرتبطة بالمواشي.
زبدة المكسرات.. آثار بيئية معقّدة خلف منتج بسيط
كما تكشف موضة زبدة المكسرات عن سلسلة إمداد معقدة تتضمن زيت النخيل واللوز والبندق والكاجو، وكل منها يحمل تحديات تتراوح بين استنزاف المياه والعمل القسري في بعض المناطق.
الأرز.. ثاني أكبر مصدر للميثان في العالم
وتمثل زراعة الأرز ثاني أكبر مصدر للميثان في العالم بعد الثروة الحيوانية، إذ تُنتج انبعاثات تعادل إجمالي انبعاثات ألمانيا سنوياً. وتبقى الممارسات التقليدية في الري وإحراق القش من أبرز أسباب تفاقم الأثر البيئي.
ما الذي يبقى بعد انتهاء الموضة؟
ورغم أن هذه الاتجاهات الغذائية قد تبدأ كتنويعات صحية أو تفاعلات على وسائل التواصل، فإن أثرها الاقتصادي والبيئي يمتد لسنوات طويلة.
وفي عالم يتسارع فيه تغيّر المناخ وتضيق فيه موارد المياه، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة التفكير في ما وراء الطبق: كيف نستهلك، وممّن نشتري، وما الذي يحدث فعلاً في البلدان المنتجة لتلبية نزعات غذائية تدوم موسماً وتترك أثراً باقياً؟



