في مواجهة العواصف المالية.. كيف يحمي المدخرون أموالهم من الانهيارات الاقتصادية؟

في مواجهة العواصف المالية.. كيف يحمي المدخرون أموالهم من الانهيارات الاقتصادية؟

المؤشر 27-10-2025    في كل أزمة مالية تضرب العالم، يجد المدخرون العاديون أنفسهم عالقين في دوامة صراعات مالية كبرى، بين مستثمرين عملاقين ومؤسسات مالية ضخمة ودول ذات اقتصادات مؤثرة. وبينما يتحرك “الكبار” بخطط مدروسة، يفتقر الأفراد غالباً إلى الوعي بكيفية حماية مدخراتهم من التآكل وسط تقلبات الأسواق، وارتفاع التضخم، وانهيار العملات والأنظمة المصرفية.

الحفاظ على رأس المال قبل البحث عن الربح

يؤكد الخبير الاقتصادي مازن إرشيد في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن الأولوية خلال الأزمات ليست تحقيق الأرباح، بل حماية قيمة الأموال. فالأسواق غير المستقرة قد تشهد انخفاضات حادة تفوق سرعة الارتفاعات، مما يجعل تقليل المخاطر وحماية المدخرات الهدف الأساسي لكل مستثمر أو مدخر.

نظام مالي عالمي مضطرب وثقة مهزوزة

رغم التوقعات المتفائلة بتسارع النمو العالمي عام 2026، إلا أن الثقة في الاقتصاد العالمي ما زالت مهتزة بفعل التوترات الجيوسياسية والحرب التجارية المتصاعدة، إضافة إلى آثار طباعة الدولار الهائلة خلال جائحة كورونا، والتي أدت إلى تضخم غير مسبوق في الولايات المتحدة، دفع الاحتياطي الفدرالي إلى اتباع سياسة نقدية متشددة ما تزال قائمة حتى اليوم.

ويحذر تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي من ارتفاع تقييمات الأصول إلى مستويات مبالغ فيها، ما قد يمهد لتصحيحات سعرية حادة في الأسواق، إلى جانب الضغوط المتزايدة على السندات السيادية ومخاطر الديون العامة في الاقتصادات الكبرى.

كما لفت التقرير إلى المخاطر المتنامية للمؤسسات المالية غير المصرفية، مثل شركات الائتمان الخاص التي توسعت بعد أزمة 2008، والتي قد يؤدي فشلها إلى انتقال العدوى المالية إلى البنوك التقليدية.

السندات والأسهم.. فقدان البريق

منذ جائحة كورونا، تراجعت جاذبية السندات كملاذ آمن، بعد أن خسرت سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات نحو 18% من قيمتها في عام 2022، وخسرت سندات الشركات الأميركية 15.5% في الفترة نفسها، وفق تقارير “بلومبيرغ.

وفي الأعوام التالية، تفاقمت أزمة الثقة مع ارتفاع عوائد السندات الأميركية إلى مستويات تاريخية تجاوزت 5.2% منتصف 2024، نتيجة العجز المالي الضخم الذي بلغ 1.8 تريليون دولار وارتفاع كلفة خدمة الدين إلى 514 مليار دولار سنوياً، مما أثار الشكوك حول قدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها، وزاد الضغوط على الدولار كعملة احتياطية عالمية.

أما سوق الأسهم، فينصح إرشيد بتجنب الاستثمار فيها دون خبرة كافية، خصوصاً أسهم شركات الذكاء الاصطناعي التي تشهد تقييماً مفرطاً يفوق 55 ضعف الأرباح، وهو ما يعيد إلى الأذهان فقاعة الإنترنت عام 2000.

الذهب.. مؤشر الخوف العالمي

صعود الذهب إلى أكثر من 4000 دولار للأونصة وارتفاعه بنحو 60% منذ بداية العام، يعكسان حالة قلق عالمية متزايدة بشأن الاستقرار المالي. ويشير إرشيد إلى أن هذا الارتفاع الحاد قد لا يستمر طويلاً، إذ يمكن أن يتراجع السعر بقوة مع عودة الاستقرار، كما حدث عامي 2011 و2020.

وتواصل البنوك المركزية تعزيز احتياطاتها من الذهب، حيث بلغ الطلب العالمي 4974.5 طناً العام الماضي، مدفوعاً برغبة في الابتعاد عن مخاطر العملات الورقية. كما ارتفعت الأصول المدعومة بالذهب لدى صناديق المؤشرات بنسبة 6% في الربع الثالث من 2025، ما يعزز مكانة المعدن الأصفر كأداة تحوط رئيسية.

ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، فإن كل ارتفاع بمقدار 100 نقطة في مؤشر المخاطر الجيوسياسية يؤدي إلى زيادة أسعار الذهب بنحو 2.5%، وهو ما يفسر الارتفاعات الأخيرة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتوترات الشرق الأوسط، وعدم اليقين السياسي العالمي.

الملاذات الآمنة للمدخرين

ينصح الخبراء باتباع استراتيجية دفاعية في إدارة الأموال خلال الفترات المضطربة، وتشمل:

التحكم في الإنفاق والتقشف الذكي لتجنب القرارات العاطفية.

عدم اتخاذ قرارات استثمارية كبرى والتركيز على حماية رأس المال.

الاحتفاظ بسيولة مالية كافية لمواجهة الأزمات الطارئة.

تجنب الديون والفوائد المرتفعة وتسديد المستحقات في أسرع وقت ممكن.

يعتبر الذهب المادي، سواء في شكل سبائك أو عملات ذهبية، الوسيلة الأصدق للتحوط، لأنه يمنح المالك سيطرة مباشرة على أصوله دون الاعتماد على الأنظمة المصرفية، بعكس شهادات الذهب الورقية التي قد تفقد قيمتها في حال حدوث أزمة مصرفية.

ويوصي إرشيد بتخصيص 10 إلى 15% من المدخرات في الذهب، باعتباره وسيلة حماية لا وسيلة للمضاربة، مع الالتزام بمبدأ “الشراء عند البيع الجماعي، والبيع عند الشراء الجماعي.

البنوك.. خطر صامت

يحذر الخبراء من الاحتفاظ بالودائع الكبيرة في البنوك خلال الأزمات، إذ يمكن أن تتعرض الأنظمة المصرفية لضغوط تؤدي إلى تقييد عمليات السحب كما حدث في لبنان عام 2019.

وكشفت دراسة لمعهد ستانفورد لأبحاث السياسات الاقتصادية أن نحو 190 بنكاً أميركياً بأصول تتجاوز 300 مليار دولار معرضة للانهيار إذا قرر نصف المودعين غير المؤمنين سحب أموالهم، في ظل ضعف التغطية التأمينية على الودائع.

تنويع الأصول.. سلاح البقاء

يبقى تنويع الأصول من أهم أساليب الحماية، سواء عبر الاستثمار في العقارات والأراضي طويلة الأمد، أو عبر السندات القصيرة الأجل في الاقتصادات المستقرة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا.

ويختتم إرشيد نصيحته بالقول:

الحكمة ليست في ملاحقة الأرباح، بل في النجاة من الخسائر. من يملك سيولة كافية، وذهبا مادياً، واستثمارات موزعة بحذر، هو الأكثر قدرة على تجاوز الأزمات بأمان.”