«المعادن النادرة».. هل تنجح الصين في تطويق رقبة أميركا أم يفلح ترامب في «لي» ذراع بكين؟

«المعادن النادرة».. هل تنجح الصين في تطويق رقبة أميركا أم يفلح ترامب في «لي» ذراع بكين؟

المؤشر 21-10-2025   في وقتٍ تتصاعد فيه المنافسة التكنولوجية والجيو-سياسية بين الشرق والغرب، أطلق بنك Goldman Sachs تحذيراً مدوياً: سيطرة الصين على سلاسل توريد المعادن النادرة ليست مجرد قضية تجارية، بل ربما نقطة ضعف استراتيجية قد تُعيد رسم خارطة القوى الصناعية العالمية.

الولايات المتحدة وأوروبا تتحرّكان الآن من وضع المستهلك التابع إلى وضع يسعى فيه إلى الاستقلال الصناعي، لكن الطريق لا يخلو من مطبات زمنية وهيكلية.

أولاً: كيف يتعامل الغرب مع أزمة المعادن النادرة؟

الولايات المتحدة: نحو «الاستقلال الصناعي»

تنظر الولايات المتحدة إلى أزمة المعادن النادرة كـ«نقطة ضعف خطيرة» في صراعها التكنولوجي مع الصين. استراتيجيتها تتضمّن إعادة سلاسل التوريد إلى الداخل الأميركي عبر تمويل مناجم داخل ولايتي نيفادا وتكساس، ودعم مصانع إنتاج المغناطيسات، كما تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة تحالفات مع دول «صديقة» مثل أستراليا وكندا واليابان لتأمين المواد الخام، بينما تتولى الأميركية المهمة التكنولوجية ورأس المال.

وفي الوقت نفسه يجري تسريع البحث والتطوير لتقنيات بديلة للمغناطيسات وتقنيات إعادة التدوير، بهدف تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية. وعلى الرغم من كل ذلك، تعترف واشنطن بأنه لن يصل إلى الاكتفاء الذاتي فوراً بل سيتطلب سنوات.

أوروبا.. سباق بين المناخ والصناعة

في القارة الأوروبية تكمن المعضلة في الربط بين الأهداف المناخية الطموحة وبين الاعتماد المُفرط على الصين لتوريد المعادن الحيوية. فقد أطلق الاتحاد الأوروبي قانوناً يُعرف بـCritical Raw Materials Act (CRMA) بهدف تنويع مصادر الإمداد وتقوية قدرات المعالجة داخل القارة.

ويهدف هذا القانون إلى أن يأتي بحلول عام 2030 ما لا يقل عن 10% من موادها الخام من التعدين المحلي، وأن تتم معالجة 40% داخل القارة، وإعادة تدوير 25% من المواد الحيوية.

وبالتزامن مع هذه الخطوة بدأت أوروبا مشاريع لاكتشاف مناجم جديدة في السويد وفنلندا ومعالجة محلية، لكنها تعترف بأن الإنتاج التجاري الفعلي سيكون بعد سنوات. والتحدي الحقيقي يكمن في الاعتماد المفرط على الصين في وقت تحاول فيه القارة الموازنة بين الصناعة، والبيئة، والاستقلال الاستراتيجي.

ثانياً.. هل يتراجع دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية على الصين؟

في حال عودته إلى البيت الأبيض يبدو من غير المرجّح أن ترامب سيتراجع كُلياً عن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين. بل على العكس، يبدو أن لديه موقفاً يرى الرسوم كسلاح تفاوض صناعي أكثر من كونها مجرد أداة اقتصادية.

فهدفه ليس فقط خفض التعريفات بل إعادة الصناعة الأميركية إلى الداخل، وقد يُخفّف بعض الرسوم مؤقتاً إذا قدمت الصين تنازلات في ملفات مثل أشباه الموصلات أو المعادن النادرة. لكنه يرى الرسوم كجزء من «الحرب الباردة الاقتصادية» مع الصين.

وتشير التوجهات إلى أن هذه الحرب ستستمر وربّما تتسع لتشمل أوروبا التي تجد نفسها ممزقة بين مصالحها التجارية مع الصين وأمنها الصناعي مع أميركا.

هيمنة صينية شبه مطلقة

أوضح بنك غولدمان ساكس، في مذكرة صدرت يوم الاثنين، أن الصين تُهيّمن حالياً على نحو 69% من عمليات تعدين المعادن النادرة عالمياً، و92% من عمليات التكرير، و98% من إنتاج المغناطيسات الضرورية لتشغيل السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والمعدات العسكرية المتقدمة.

وتأتي هذه السيطرة في وقتٍ أعلنت فيه الصين، في 9 أكتوبر الجاري، توسيع قيود التصدير لتشمل خمسة عناصر جديدة وتشديد الرقابة على المستخدمين في قطاع أشباه الموصلات، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها ردّ استراتيجي على القيود الأميركية والأوروبية المفروضة على صناعة الرقائق، وقبيل القمة المرتقبة بين ترامب وشي جين بينغ.

المعادن النادرة.. سلاح جديد في حرب اقتصادية صامتة

أصبحت العناصر الأرضية النادرة محوراً للتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، إذ تدخل في صناعات حيوية تشمل البطاريات والرقائق والذكاء الاصطناعي والمعدات الدفاعية.

ورغم أن القيمة الإجمالية لسوق هذه المعادن لا تتجاوز 6 مليارات دولار عام 2024-أي ما يعادل جزءاً بسيطاً من حجم سوق النحاس الذي يفوقها بـ33 مرة- إلا أن غولدمان ساكس حذّر من أن تعطّل الإمدادات بنسبة 10% فقط قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية عالمية تصل إلى 150 مليار دولار، مع تفاقم الضغوط التضخمية بسبب نقص المعروض.

معادن معرضة لقيود جديدة

أشار التقرير إلى أن معادن مثل الساماريوم والغرافيت واللوتيتيوم والتيربيوم معرّضة بشكل خاص لأي قيود تصدير مستقبلية. ويُستخدم الساماريوم في تصنيع «مغناطيسات مقاومة للحرارة» ضرورية لصناعات الفضاء والدفاع، فيما قد يهدّد أي نقص في معادن اللوتيتيوم والتيربيوم الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الاقتصادات الكبرى.

كما يُرجّح أن تستهدف الصين مستقبلاً العناصر الخفيفة مثل السيريوم واللانثانوم بفضل سيطرتها شبه الكاملة على عمليات تعدينها وتكريرها.

الغرب في سباق مع الزمن

ترى مؤسسة غولدمان ساكس أن بناء سلاسل إمداد مستقلة في الغرب يواجه عوائق جيولوجية، تقنية وبيئية معقّدة.

فالعناصر الثقيلة من المعادن النادرة نادرة الوجود خارج الصين وميانمار، كما أن تطوير مناجم جديدة يتطلب 8 إلى 10 سنوات، في حين تحتاج منشآت التكرير إلى 5 سنوات إضافية على الأقل. ورغم توسّع مصانع إنتاج المغناطيس في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، فإنها ما زالت تعتمد على مدخلات أساسية تسيطر عليها بكين.

البدائل الغربية.. مشاريع وتحالفات ولكن الوقت ضيق

تسعى واشنطن وبروكسل إلى تقليص الاعتماد على الصين عبر تمويل مشاريع تعدين ومعالجة محلية وعقد شراكات استراتيجية مع دول مثل أستراليا وكندا واليابان. فعلى سبيل المثال، وقّعت الولايات المتحدة وأستراليا في أكتوبر 2025 اتفاقية بقيمة 8.5 مليارات دولار لتطوير سلاسل توريد المعادن الحيوية، كما أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة «قانون المواد الخام الحرجة (CRMA)» التي تهدف إلى أن تغطّي أوروبا بحلول 2030 ما لا يقل عن 10% من احتياجاتها من التعدين المحلي و40% من المعالجة الداخلية.

لكن خبراء الصناعة يؤكدون أن الاعتماد على الصين سيستمر سنوات طويلة بسبب نقص البُنى التحتية والمعرفة التقنية المتقدمة في الغرب.

سياسة الرسوم الجمركية.. هل يتراجع ترامب؟

ورغم الحديث عن إمكانية مراجعة الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين خلال القمة المرتقبة، فإن المراقبين يستبعدون أن يتراجع ترامب عن تعريفاته الجمركية بشكل واسع، إذ يعتبرها أداة ضغط لإعادة الصناعات إلى الداخل الأميركي.

ومن المرجّح أن تستمر الحرب التجارية الباردة بين القوتين الاقتصاديتين، مع امتدادها إلى أوروبا التي تحاول الموازنة بين مصالحها التجارية واستقلالها الصناعي.

الهدف الأساسي للولايات المتحدة يكمن في تحقيق استقلال صناعي وتقني عن الصين، بينما تعمل أوروبا على بناء سلاسل إمداد متنوعة ومستدامة. والوسيلة في أميركا هي التعدين الداخلي، التحالفات، والابتكار.

أما في أوروبا فتتلخّص بالتشريعات، الشراكات الدولية، والمشاريع طويلة الأجل. أما التحدي الأكبر فيتجسّد في الوقت والتكلفة العالية لبناء بنى تحتية جديدة في الغرب، وفي الاعتماد المفرط على الصين وصعوبة موازنة البيئة والصناعة لدى أوروبا. والمآل المتوقع أن تستمر الرسوم وتنافس تكنولوجي محتدم في الولايات المتحدة، في حين تشهد أوروبا تحركاً بطيئاً نحو الاستقلال الجزئي بحلول عام 2030.

يبقى المشهد العالمي محكوماً بمعادلة صعبة: الصين تمتلك المعادن.. والغرب يمتلك التكنولوجيا، لكن تحقيق التوازن بين الطرفين يحتاج إلى عقد كامل على الأقل من الاستثمار والتنسيق الصناعي. وحتى ذلك الحين، ستظلّ المعادن النادرة ورقة ضغطٍ مركزية في معادلة القوة العالمية الجديدة.