جالوت يعود بعد ان ُقتِل داوود في غزة
المؤشر 04-09-2025
الكاتب: السفير حكمت عجوري
لا اعتقد ان هناك يوما اكثر بؤسا من ذلك اليوم الاسود الذي عاد فيه ترمب بحلة جالوت الى البيت الابيض ليكافيء نتنياهو على ما فعله في غزة بقتله لداوود في حرب ابادته للشعب الفلسطيني والتي يحلم ترمب واهما في تفريغها ممن بقي من اهلها بعد هذه الحرب ليعمر فيها ريفيرا الشرق وتكون ملكا خاصا به.
نتنياهو الذي يستحق بسبب جرائمه بحق الشعب الفسطيني اللقب الذي اطلقته عليه امرأة انجليزية لقب satanyahu (الشيطان ياهو) لم يعد يكتفي بما فعله له ترمب في ولايته الاولى باهداءه له القدس والجولان ولم يكتفي بالدعم غير المشروط ولا بسلطة الفيتو الامريكي لنصرته ونظامه الفاشي في المحافل الدولية فهو ما زال يطمع بان يحقق له ترمب هدف صهيوني استراتيجي بمنع اقامة دولة فلسطينية على ارض فلسطين التاريخية كضامن لبقاءه في الحكم وبالتالي عدم دخوله السجن الذي ما زال بانتظاره والذي في اعتقادي انه حتمي فهو ان فلت من السجن المحلي فسوف لن يفلت من سجن المحكمة الدولية.
في عقل نتنياهو الفاشي فان اقامة الدولة الفلسطينية التي اقرتها الشرعية الدولية حتى وان كانت على نصف او حتى اقل من نصف المساحة التي اقرتها لها هذه الشرعية الدولية بحسب قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 لاقامة دولة للفسطينيين وعلى الرغم ايضا من انها تجسيد لحق تقرير المصير غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني الا ان كل ذلك ليس ذو قيمة امام اطماع الفاشي نتنياهو من اجل ان يصبح ملكا لليهود ان هو حقق الهدف الصهيوني باقامة دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات وبالتالي فان اقامة هذه الدولة الفلسطينية سيكون بمثابة حجر عثرة في طريق هذا الهدف.
ترمب اثناء فترته ولايته الاولى كان يعاني من جهل مدقع في التاريخ فوهب القدس والجولان لنتنياهو وكيانه العنصري وفي فترة ولايته الثانية ها هو يثبت بانه يعاني من فقر مدقع في السياسة لانه يعتقد بان العالم كله ملكية خاصة به يوظفه ويستخدمه لتحقيق رغبات نتنياهو بان اصدر قرارا بمنع القيادة الفلسطينية من الوصول الى اجتماع الجمعية العامة السنوي في شهر سبتمبر الحالي بحكم انه رئيس دولة المقر وهو يعلم بانه بقراره هذا لا يتعدى فقط على الشرعية الدولية وقوانينها وانما هو يتعدي وبشكل صارخ على الدستور الامريكي الذي يلزم الرئيس الامريكي باحترام وحماية هذا الدستور والقيم التي كتب على اساسها هذا الدستور واساسها حقوق الانسان واحترام هيبة الولايات المتحدة الامريكية وايفائها بكل تعهداتها وفوق كل ذلك الولاء المطلق لامريكا من قبل كل رؤسائها .
ما فعله ترمب منذ وصوله الى البيت الابيض في اليوم الاسود من يناير هذه السنة هو مغاير لكل ذلك تماما وبالخصوص ولاءه المطلق لنتنياهو حيث اطلق عليه قبل بضعة اسابيع بطل حرب على الرغم من ان القضاء الاسرائيلي يقاضيه باربع جرائم والقضاء الدولي يعتبره مجرم حرب اضافة الى محاولاته اي ترمب في الضغط على القضائين الدولي والاسرائيلي لاجل ان يعفوا عن نتنياهو واخيرا ما فعله تنفيذا لطلب نتنياهو باصدار قراره بمنع وصول الوفد الفلسطيني الرسمي من الوصول الى المنظمة الاممية ضاربا بعرض الحائط تعهدات بلاده تجاه هذه المنظمة على الرغم مما يتسبب به ذلك من عزلة ومن ضياع لهيبة امريكا بصفتها دولة المقر والتي حولها ترمب بسبب قصوره الذهني وجهله الى دولة بلطجة وعصابات تقودها الايباك.
ترمب بغباءه السياسي وافعاله الصبيانية يحفز كل القوى الوازنة في العالم لسحب البساط من تحت اقدام امريكا التي اختطفت وما زالت النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة وهو اي ترمب وبدون ان يدري فهو يوحد العالم ضده وضد نتنياهو وكانه بذلك يعيد داوود الى الحياة .
امريكا وبحسب اتفاقية المقر لسنة 1947 هي ملزمة بالسماح لكل الدول الاعضاء والمشاركين في اجتماعات الامم المتحدة بالوصول الى مقر المنظمة وبدون اي عوائق وهي اتفاقية ترقى اخلاقيا الى مستوى ان لا سيادة لدولة المقر "امريكا" على هذه المنظمة التي وبحكم تسميتها تجعل منها ملكية جماعية للامم او الدول الاعضاء فيها يحكمها ميثاقها الذي هو نسخة مكثفة عن الدستور الامريكي وليس لترمب الحق لا السياسي ولا الاخلاقي بمنع فلسطين من الوصول الى الجمعية العمومية التي اعترفت بفلسطين دولة في سنة 2012 علما بان فلسطين تاريخيا اقدم بالاف السنين من امريكا ترمب.
ما سبق يجسد ويؤكد على صحة كل ما قيل في حق ترمب وهل هناك اصدق من والدته التي قالت ،"نعم انه احمق ولا يتمتع باي قدر من الحس السليم لكنه ابني واتمنى ان لا ينخرط في السياسة لانه سيكون كارثة". اما ابنة اخيه ميري ترمب فهي في كتابها تقول "الرئيس يتبنى الخداع والغش منهج حياة" وفي اعتقادي ان هذا المنهج هو ما يجمعه مع نتنياهو خصوصا لو اضفنا الى ذلك الكذب الذي هو صفة اصيلة في هذا التوأم ترمبياهو وهذا لم يعد سرا خصوصا وان الكذب لدى ترمب كان حديث الاعلام في ولايته الاولى لدرجة انه وصف في حينه بانه اكذب رئيس امريكي واما نتنياهو فحدث ولا حرج يكفي ان نذكر ما قاله له شارون "انت كذاب وستبقى كذاب".
وعلى الرغم من كل ما ذكرته الا ان المنطق يؤكد على ان لدولة فلسطين الحق السياسي والاخلاقي في الوصول الى اجتماع الجمعية العامة للمنظمة الاممية وهو ما يستدعي ضرورة نقل الاجتماع الى جنيف في حال اصر ترمب على قراره غير الاخلاقي بعدم السماح للوفد الفلسطيني الرسمي بالوصول الى مقر المنظمة الاممية في نيويورك وكان هذا قد حصل سابقا في عهد الرئيس الشهيد عرفات سنة 1988 مع فارق ان فلسطين في حينه لم تكن دولة معترف بها في المنظمة الاممية كما هي الان وهو اعتراف محصن بميثاق المنظمة الاممية وبقوة 149 دولة تعترف بها .
الى ما سبق اضيف بالتزامات من قبل دول اوروبية وازنة اعضاء دائمة في مجلس الامن وهي فرنسا وبريطانيا اضافة الى استراليا وبلجيكا وجمهورية سان مارينو "اقدم جمهورية دستورية في العالم " ، التزامات بالاعلان عن اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 في الاجتماع الذي نحن بصدده وبدون شك فان هذه الاعترافات تمثل المحطة الاخيرة باتجاه تجسيد دولة فلسطين خصوصا وان دول اوروبا المعترفة حاليا والتي سوف تعترف في اجتماع الجمعية العامة الذي نحن بصدده بدولة فلسطين هذه الدول بمجموعها تعتبر الشريك التجاري الاكبر لدولة الاحتلال ما يعني قدرتها على اجبار اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على احترام قرارات الشرعية الدولي وانهاء احتلالها لدولة فلسطين الذي طال امده باستخدامها سلاح المقاطعة الاكثر فعالية للانتصار للانسانية كما حصل سابقا في مواجهة واسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في سنة 1991 .
نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سقط كورقة خريف بسبب العقوبات الدولية ليحل محله نظام برئاسة الزعيم الراحل مانديلا بعد ان قضى 27 سنة في زنزانة السجن العنصري و تحت اسوأ الظروف ليخرج مانديلا بعدها الى الحرية ليقول للعالم شكرا على ما فعلتموه من اجل حرية الاغلبية من شعب جنوب افريقيا ولكن "حريتنا في جنوب افريقيا لا تكتمل دون حرية الشعب الفلسطيني". وهذا النداء ما زال ينتظرمن انصار ومحبي مانديلا وعلى راسهم بريطانيا وفرنسا لكي يستجيبوا لهذا النداء وذلك تعزيزا وانتصارا للانسانية التي اصبحت في خطر كبير بسبب ممارسات الثنائي ترمبياهو وفي هذا السياق يحضرني ما قالته في حينه الراحلة السيدة مارغريت ثاتشر "للعقوبات انياب".



