“fpif”: وقف إطلاق النار في غزة لا يكفي
المؤشر 21-09-2024 موقع “Foreign Policy in Focus” ينشر مقالاً للكاتب جون فيفر، يقول فيه إنّ وقف إطلاق النار في غزة لا يكفي لكبح جماح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يشن حملة عسكرية على الضفة الغربية، ويسير نحو شنّ هجوم على لبنان، ويرى أنّ على الولايات المتحدة أن تضغط على “إسرائيل” من خلال المساعدات العسكرية والمالية.
أسفر وقف إطلاق النار المؤقت بين “إسرائيل” وحماس في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي عن إطلاق سراح 109 أسرى إسرائيليين. في المقابل، العمليات العسكرية الإسرائيلية نجحت في إنقاذ 8 أسرى فقط حتى الآن، وقتلت عدداً آخر منهم. لذا، كانت تكتيكات وقف إطلاق النار أكثر فعالية من التكتيكات العسكرية.
في هذه الحرب، كان بنيامين نتنياهو بلا شك يتذكر شقيقه، الذي قاد عملية الإنقاذ الجريئة للركاب المختطفين في مطار عنتيبي عام 1976 وقتل في هذه العملية. والآن، يواجه نتنياهو الأصغر أزمة الأسرى الخاصة به. وقد قرر، مثل شقيقه، ملاحقة القوّة. يحلم نتنياهو بتدمير حركة حماس وإنقاذ 251 شخصاً أُسروا في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وإنقاذ سمعته السياسية الكئيبة، ولكن الأمور لم تسر على هذا النحو تماماً، فلم تنجح الحرب في القضاء على حماس، وحتى “الجيش” الإسرائيلي حذّر من أنّ هذا غير ممكن، فقد فشل الجيش الإسرائيلي فشلاً ذريعاً، وفي بعض الحالات كان مهملاً إلى حد لا يغتفر في مسألة تحرير الأسرى.
وإذا تحدثنا عن جرائم لا تغتفر، فإنّ القوات الإسرائيلية قتلت أيضاً ما يقارب 42 ألف فلسطيني في غزة. وصعّدت حكومة نتنياهو من سياستها في الضفة الغربية، وهي الآن على استعداد لخوض حرب مع حزب الله في لبنان. وربما يكون الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي في لبنان إشارة البدء للحرب.
يعتقد نتنياهو أنّه يستطيع، بسبب شعبية حزبه، أن يتجاهل بأمان توسلات أسر الأسرى، ومطالب المتظاهرين في الشوارع، ونصائح مستشاريه العسكريين، ناهيك بأي شيء قالته الحكومة الأميركية، ويرى أنّه ما دام يواصل ضرب الفلسطينيين وحزب الله وأهداف مختارة في إيران، فإنّه قادر على تأمين دعم اليمين الإسرائيلي المتطرف والاستمرار في تقديم نفسه باعتباره منقذ بلاده.
وهكذا، في كل مرة يبدو فيها المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون قريبين من التوصل إلى وقف إطلاق نار، يسحب نتنياهو البساط من تحت أقدامهم. على سبيل المثال، تراجعت حماس عن إصرارها الأولي على التزام “إسرائيل” بوقف إطلاق نار دائم منذ البداية. أمّا بالنسبة إلى انسحاب جميع القوات الإسرائيلية من غزة، وهو عنصر رئيسي آخر في الخطة المكونة من 3 أجزاء التي طرحتها إدارة بايدن، فإنّ نتنياهو يصر الآن على احتفاظ “إسرائيل” بالسيطرة على ممر فيلادلفيا، وهو الجزء من غزة الذي يحد مصر.
وقد دأب الجنرالات الإسرائيليون على إخبار نتنياهو بأنّ هناك العديد من الوسائل البديلة الفعالة للسيطرة على الممر الآن، وأنّ دعم القوات الإسرائيلية العالقة هناك سيكون صعباً وخطيراً. وبوسعهم استعادة الممر في أي وقت يحتاجون إليه. والواقع أنّ البقاء هناك يسبب بالفعل مشكلات ضخمة مع المصريين أيضاً.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت إنّ “حقيقة أننا نعطي الأولوية لممر فيلادلفيا على حساب أرواح الرهائن هي عار أخلاقي”. وإذا كان وزير الأمن غير قادر على تغيير رأي نتنياهو، فماذا يمكن القيام به لإزاحة رئيس الوزراء من منصبه المتصلب؟
قطع إمدادات الأسلحة
منذ تولي حزب العمال البريطاني السلطة في المملكة المتحدة في تموز/يوليو، اتخذ 3 قرارات هامة تتعلق بالقضية الفلسطينية. أولاً، استأنف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين. ثم ألغى قرار حزب المحافظين بتحدي مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو. وفي بداية أيلول/سبتمبر، منع عدداً معيناً من مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل”.
لكن في الواقع، كانت خطوة المملكة المتحدة فاترة وغير مهمة إلى حد كبير، فقد أثّر القرار في 30 ترخيصاً فقط من أصل 350 ترخيصاً للتصدير. وتزود بريطانيا 1% فقط من الواردات الإسرائيلية.
لم يكن نتنياهو قلقاً كثيراً بشأن الأسلحة البريطانية في حد ذاتها، بل كان قلقاً بشأن التأثير المتسلسل الذي قد يخلفه القرار على أكبر ثلاثة موردين للجيش الإسرائيلي. في الفترة ما بين 2013 و2023، قدمت الولايات المتحدة نحو 65% من واردات البلاد العسكرية، وألمانيا نحو 30%، وإيطاليا أقل بقليل من 5%.
الأسلحة التي تسلمها الولايات المتحدة لإسرائيل هي النفوذ الحقيقي الوحيد لها على حكومة نتنياهو، إذ إنّ الولايات المتحدة ترسل ما يقارب 4 مليارات دولار إلى “إسرائيل” كل عام، ويشكل ذلك جزءاً كبيراً من الميزانية العسكرية الإسرائيلية (27 مليار دولار، وما زالت في ارتفاع). وينبغي أن يترجم هذا إلى رأس مال سياسي يمكن للإدارة الأميركية استخدامه للتأثير في السياسة الإسرائيلية، لكن بايدن لم يشترط توقيع نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار في مقابل تقديم الأسلحة. ولا يجب على أحد أن يتصوّر أن دونالد ترامب سيفعل غير ذلك؛ فخلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، أعطى ترامب “إسرائيل” كل ما تريده، ولم يحصل على أي شيء في المقابل، باستثناء إعجاب نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي.
ما الذي يمكن فعله؟
لقد أثار سلوك “إسرائيل” في الحرب في غزة إدانة دولية كبيرة، فقد قضت أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، في تموز/يوليو بأنّ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني ويجب أن ينتهي. وفي الوقت نفسه، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو إلى جانب وزير الأمن يوآف غالانت وثلاثة من قادة حماس.
وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على العديد من قرارات وقف إطلاق النار، بما في ذلك القرار الذي دعا إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، والذي تم تجاهله. وفي حزيران/يونيو، أقرّ مجلس الأمن قراراً قدمته الولايات المتحدة يدعم خطة وقف إطلاق النار المكونة من ثلاثة أجزاء التي وضعتها إدارة بايدن. وقد تجاهل نتنياهو هذا القرار حتى الآن أيضاً.
وقد سجّلت العديد من الدول احتجاجاتها ضد “إسرائيل” بأشكال أخرى. فقد اعترف عدد من الدول الأوروبية: النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا، بدولة فلسطينية مستقلة. وقد انضمت هذه الدول إلى 143 دولة أخرى في العالم اتخذت هذا القرار بالفعل.
لقد تحولت تركيا من كونها شريكاً تجارياً رئيسياً لـ”إسرائيل” إلى زعيمة المقاطعة الاقتصادية للبلاد. والآن، يهدد الزعيم التركي رجب طيب إردوغان بتشكيل ائتلاف سنّي، إلى جانب مصر، لدعم الفلسطينيين.
لقد صوّت الناس في مختلف أنحاء العالم بأقدامهم من خلال الانضمام إلى الاحتجاجات. وفي الأيام التي تلت 7 أكتوبر وبداية الحرب في غزة، كانت هناك آلاف التجمعات المؤيدة للفلسطينيين في عشرات البلدان، وانتشرت التظاهرات في الحرم الجامعي في العديد من الدول، وخصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي الوقت نفسه، تحولت المشاعر في “إسرائيل”. فقبل أسبوع، احتشد نصف مليون شخص في شوارع تل أبيب، وتجمع 250 ألف شخص في مدن إسرائيلية أخرى، مطالبين بوقف إطلاق النار الفوري وتحرير الأسرى المتبقين.
لذا، في هذه المرحلة، تم حشد آلية القانون الدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية، كما كانت الدولة الأكثر التزاماً بالدفاع العسكري الإسرائيلي، الولايات المتحدة، تدفع من أجل وقف إطلاق النار، لكن المشكلة هي أنّ إدارة بايدن لم تستخدم أقوى أدوات نفوذها: المساعدات المالية والعسكرية لإقناع نتنياهو بالانحناء.
يستمع الزعيم الإسرائيلي وحلفاؤه اليمينيون إلى الأصوات الأميركية التي يريدون سماعها: الحزب الجمهوري ولجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، ويتجاهلون ما يعتبرونه إدارة ضعيفة.
لا شك في أنّ نتنياهو يفضل فوز دونالد ترامب بالرئاسة، ولكن حتّى لو فازت كامالا هاريس، فإنّه لا يقلق من أنّ الديمقراطيين سيجرون أي تغييرات كبيرة في السياسة الأميركية، وخصوصاً إذا تمكن الجمهوريون من الفوز بمجلس الشيوخ.
إن نتنياهو يبتعد أكثر فأكثر عن التسوية. لقد كثفت “إسرائيل” عملياتها في الضفة الغربية في إطار حملتها للتطهير العرقي. ويستعد “الجيش” الإسرائيلي لحملة عسكرية مستمرة ضد حزب الله، الذي يدرس الآن الرد على الموجتين الأخيرتين من الهجمات الإلكترونية التي كانت نتيجة لعملية إسرائيلية لزرع عبوات ناسفة في الأجهزة في مكان ما على طول سلسلة التوريد.
وبحسب التحليل الأكثر تشاؤماً، فإن “إسرائيل” سوف تكتفي في نهاية المطاف بوقف إطلاق النار في غزة من أجل تحويل انتباهها بشكل أكبر إلى الضفة الغربية وحزب الله. كما أنّ تحقيق وقف إطلاق النار واتفاق الأسرى من شأنه أيضاً أن يزيل العقبة الرئيسية أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تمنح نتنياهو الغطاء السياسي لهذه العمليات الموسعة.
لذا، فإن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة ضرورية، ولكنها غير كافية. ويتعين على إدارة بايدن ربط المساعدات الإسرائيلية بسياسة الحكومة الإسرائيلية، فالوقت ينفد، ويتعين على بايدن أن يدعم المطالب الفلسطينية بالحكم الذاتي السياسي قبل أن تحتل “إسرائيل” كل الأراضي الفلسطينية، ويتعين عليه أن يدفع باتجاه مفاوضات إقليمية تعالج الصراع الأساسي بين “إسرائيل” وإيران الذي يكمن وراء النزاع مع حزب الله.
ومن غير المرجح أن تدفع الإدارة بأي شيء طموح إلى هذا الحد قبل الانتخابات، ولكن عندما يدخل بايدن فترة البطة العرجاء، فسوف تتاح له فرصة أخيرة لدعم سيناريو وقف إطلاق النار.
ويحتاج بايدن إلى سحب كل رأس ماله السياسي من البنك وإنفاقه في الشرق الأوسط. إنّ نتنياهو وحلفاءه من اليمين المتطرف يشكلون تهديداً لـ”إسرائيل” وفلسطين والمنطقة بأكملها. لقد قدّم بايدن هدية هائلة للولايات المتحدة عندما تنحى جانباً كمرشح رئاسي، ويمكنه تقديم هدية أخيرة لبناء إرث من خلال تطبيق المزيج الصحيح من الجزرة والعصا لاحتواء نتنياهو وإنهاء الأهوال في “إسرائيل” وفلسطين وحولهما.