قراءة في رواية هذا أوان الحب للأديبة إسراء عبوشي مداواة الجراح بمرهم الحقيقة
المؤشر 11-06-2024
بقلم : عبد السلام عابد
سافرت الكاتبة إسراء عبوشي إلى مصر ، عامي ٢٠٢١ و ٢٠٢٣؛ لزيارة ابنها عمرو الذي كان يدرس الطب هناك، وقد أتيحت لها الفرصة للقاء العديد من زميلاته وزملائه الفلسطينيين والمصريين، وبعض الأسر المصرية، وتعرفت عن قرب على همومهم ومعاناتهم وواقعهم وأحلامهم، وأوحت لها هاتان الرحلتان، والطبيعة الجميلة على شاطيء بحر الإسكندرية
كتابة رواية حملت عنوان: ( هذا أوان الحب ) .
صدرت الرواية عن منشورات مكتبة كل شيء في حيفا، عام ألفين وأربعة وعشرين، و تقع في مئة وستٍ وعشرين صفحة، وأهدتها إلى صديقتها المصرية سناء ندى ( فيض حب يعبُر كبرياء النيل من مبتداه إلى منتهاه ، مزينا طبيعة جريانه بأكاليل المحبة الصادقة ، ومطرزا لون مياهه بكل أطياف الرومانسية التي تحبين ..) والإهداء كما ذكَرتْ موصول بشباك المحبة والشوق والوفاء إلى أصدقاء وزملاء ابنها الدكتور عمرو …وإلى مصر و وطنها الجميل فلسطين وأسرتها الكريمة.
ونحن نعيش هذه الشهور العصيبة، وهذه المقتلة الرهيبة ، هل هذا هو الموعد المناسب للحديث والكتابة عن الحب وحالاته ؟!.
وللإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن إسراء أنهت كتابة هذه الرواية، في بدايات العام ألفين وثلاثة وعشرين، أي قبل نشوب هذه الحرب الغاشمة، أثناء إقامتها على شاطيء الإسكندرية، حيث ( كان النسيم العليل يداعب أسماعنا ، يواكبه صوت أمواج البحر الهادئة على الشاطيء الرملي في الإسكندرية ، وضوء القمر ينعكس على صفحته ….).
ولعل العنوان الذي تصدّر الصفحة الأولى من الرواية، يجيب أيضا عن هذا التساؤل آنف الذكر ، فالحبُّ هو الذي يبدّد ظلام واقعنا القاتم ، والحب هو الذي يرقق المشاعر ، ويبلسم الجراح، ويعالج المظاهر السلبية كلها ، لا سيما عندما يسير الحبُّ في حياتنا، إلى جانب العقل الواعي والمستنير الذي يبرز الحقيقة ، و يبحث عن جذور المشاكل ويشخصها ويعالجها علاجا جذريا شافيا.
نتعرف في الرواية على العديد من الشخصيات المصرية والفلسطينية التي ألّف الحبُّ قلوبها، ونسج بينها علاقاتٍ إنسانيةً متينة .
الطالبة الجامعية المصرية سلمى أحبّت كنان الطالب الفلسطيني حبا عميقا ..( كان أسمر طويلا ، يتميز بالأنَفَة ، وتشع من عينيه الثقة بالنفس ، كتفاه عريضتان، يمشي وصدره مشدود، ورأسه مرفوع ، يخطو بهدوء ومهابة، يصوّب كلامه بدقة، ورغم ذلك لا يعبّر عن مشاعره….أصابعه عريضة ، لعله في يوم ما كان من أطفال الحجارة، وأكسبته تلك الحجارة صلابتها…..).
لسلمى أب وأم واعيان ومتفهمان، ويمنحان ابنتهما الثقة،
ولأن ظروف الإنسان الفلسطيني صعبة وقاسية وفريدة من نوعها، فإن هذا الحب لم يُكلل في البداية بالزواج، حيث افترق الحبيبان بعد انتهاء الدراسة الجامعية، وغادر كنان إلى وطنه فلسطين، وبقيت سلمى في مصر تعاني من الشوق والحنين ، وبعد فترة وافقت على الاقتران بمهندس مصري يعمل في كندا ، لم يثمر هذا الزواج الذي استمر خمس سنوات عن أطفال ، ولم يحدث بينهما انسجام، فاتفقا على الطلاق . بحثت سلمى عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن كنان، وبموافقة والديها، سافرت إلى الأردن وفلسطين؛ بصفتها حاملة للجنسية الأجنبية ، وعندما وصلت هناك علمت أنه تزوج وله طفل وحيد ، غير أن زوجته توفيت ،وسافر مع أمه إلى إحدى دول الخليج ؛ لزيارة خاله .
وذهبت سلمى إلى دبي، والتقيا هناك ، والتم شملهما ، مع أمه واتفقا على بداية حياة جديدة في فلسطين..
وفي الرواية شخصيات مهمة أخرى، فبالإضافة إلى كنان وأمه التي نجت من الحروب بصعوبة ، هنالك شخصية عدن ابنة عم سلمى التي عانت من معاملة زوجها وأمه، حيث طرداها من بيت الزوجية، وحرماها من طفلتها الوحيدة ، ولكنها لم تستسلم، فقد عضّت على جراحها، وزارت حماتها التي مرضت وضعف جسمها في المشفى ، وحينما لمست الحماة المريضة إنسانيتها ورقتها ووقوفها إلى جانبها ، اعترفت لها بخطئها، وطلبت منها المسامحة، وعادت العلاقة مع زوجها الذي كان يعاني هو أيضا مع أمه ، من سلوك أبيه وفظاظته.
ولم تكتفِ عدن بحل هذه المشاكل بالتفهم والمحبة والاحتواء، ومعرفة الحقيقة ، بل إنها بحثت عن أبي زوجها ، والتقت بزوجته الثانية في بيتها ، فعلمت أن له ابنة ، وأنه مريض لا يعي، وأن حياتهما كانت جحيما معه .. غير أن عدن استطاعت بصبرها وحنكتها وتفهمها وقلبها العامر بالحب والإخلاص، أن تعيد هذه الأسرة الى المسار الاجتماعي الإنساني السليم.
ورغم بعض الأخطاء اللغوية والمطبعية ، إلا أن رواية ( هذا أوان الحب ) شدّتني منذ سطورها الأولى ، وجعلتني أتابع صفحاتها بشغف واستمتاع وإعجاب، ولا سيما قدرة الكاتبة على تصوير مشاعر الحب والشوق والحنين، بلغة شعرية مشرقة وسلسة، مستخدمةً أسلوب الحديث الداخلي أو الحوار أو الخواطر الشعرية، عبر وسائل الاتصال الحديثة التي ترسل الرسائل المحمّلة بالأحاسيس والأفكار والمشاعر إلى الطرف الآخر ، دون عوائق أو حدود .
وختاما، فإنني أتمنى للكاتبة إسراء مصطفى عبوشي التي في رصيدها الإبداعي مجموعة قصصية بعنوان ( ياسمين ) ، ورواية ( رادا ) وكتابات أخرى المزيد من العطاء الإبداعي والثقافي المتواصل.