رسالة رابعة الى من لديهم حس انساني في دولة الاحتلال الاسرائيلي
المؤشر 31-1-2024
الكاتب: السفير حكمت عجوري
في ليلة الانتخابات التي اوصلت ايهود باراك لسدة الحكم في اواخر تسعينات القرن الماضي ساله صحفي اسرائيلي ماذا كان سيفعل لو كان فلسطينيا فاجاب بدون تردد بانه كان سينضم الى احد الفصائل الفلسطينية الامر الذي اثارغصب الكثيرين في اسرائيل والبعض هاجمه في حينه مع ان ما قاله باراك وهو الاكثر توشيحا بالاوسمة العسكرية في دولة الاحتلال من المفروض ان يكون نذيرا لكل الاسرائيليين الذين يعيشون بدون وجه حق على ارض كانت مأهولة ومسكونة والاكثر تحضرا في المنطقة كلها وذلك قبل تدميرها من اجل قيام اسرائيل وبقرار من الشرعية الدولية صادر عن الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة في نوفمبر 1947 ويحمل رقم 181 والمعروف بقرار التقسيم الذي قسم فلسطين التاريخية الى قسمين 56% من مساحة فلسطين لليهود والباقي للفلسطينيين على الرغم من ان عدد اليهود في حينه لم يكن يتجاوز نسبة 30% معظمهم كانوا من المهاجرين جاءوا الى فلسطين فارين من المحرقة النازية ومهاجرين من معظم دول العالم ، ولهذه الاسباب رفض الفلسطينيون القرار في حينه لانه كان مجحفا بحقهم لسببين الاول انه لم يتم التشاور معهم بصفتهم السكان الاصليين لفلسطين والسبب الثاني عدم عدالة التقسيم نسبة لعدد السكان حتى لو افترضنا جدلا ان اليهود هم من سكان فلسطين وليسوا مهاجرين خصوصا وان نصف عدد السكان في المناطق التي تم تخصيصها للدولة اليهودية كانوا من الفلسطينيين الذين تم التخلص منهم لاحقا اما بالقتل او بالطرد بالقوة على يد العصابات الصهيونية التي احتلت فوق كل ذلك ايضا وبالقوة نصف الارض التي خصصها القرار للدولة الفلسطينية وقتل وطرد كل الفلسطينيين الذين كانوا يسكنونها مما تسبب في تهجير ما يزيد عن 750 الف فلسطيني بعضهم الى دول الجوار واخر الى بقايا الوطن الفسطيني بما في ذلك غزة وذلك بعد ان تم تدمير اكثر من 500 من قراهم وبلداتهم وهذا كله يفسر منطقية ما قاله باراك وفي نفس الوقت يبرر كل ما يفعله الفلسطينيون من اجل تحرير ارضهم التي تم احتلالها بالقوة من قبل اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال .
هذا المخاض العسير وبدون شك انجب كيان صهيوني مشوه جسديا بمعنى ان ليس لهذا الكيان حدود شرعية معترف بها دوليا وفي نفس الوقت لا عاصمة ايضا معترف بها دوليا لهذا الكيان المسمى اسرائيل اضافة الى انه كيان مضطرب عقليا لانه ما زال يحكم هذا الكيان ساسة امتهنوا الخديعة والكذب والابتزاز اوكسيجينا لهم مكنهم من تحصين هذا الكيان وافلاته من اي عقاب دولي سواء اكان ذلك بسبب جرائم الاحتلال بحق اصحاب الارض الفسطينيون او بسبب ضرب الاحتلال بعرض الحائط كافة القرارات الدولية المتعلقة بسوء ممارساته اضافة الى عدم الايفاء حتى بشرطي عضوية اسرائيل في المنظمة الاممية وهي عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي تم طردهم منها في حرب النكبة وثانيا تطبيق الجزء الاخر من قرار التقسيم وهو اقامة الدولة الفلسطينية على المساحة التي خصصها القرار لهذه الدولة وهي 44% من الارض التاريخية لفلسطين وهو ما لم تفي به اسرائيل والى يومنا هذا بل وعلى العكس من ذلك فهي لم تأل جهدا من اجل الحؤول دون تطبيق هذين الشرطين وهو ما يعني ان عضوية اسرائيل في المنظمة الاممية ما زال غير شرعي.
كل ما سبق ما كان له ان يكون في ظل وضع مستقر في المنطقة ولكن عملت اسرائيل على توظيف كل ما هو ممكن من اجل خلق منطقة غير مستقرة لم تتوقف فيها الحروب منذ قيامها مستغلة بذلك امكانيات وقدرات الحركة الصهيونية في العالم وتحديدا في مجالي المال والاعلام اضافة الى توظيف نفسها وكيل حصري لمصالح الغرب في هذه المنطقة الحيوية بدأت في بريطانيا قبل حرب 1967 لتتحول بعد ذلك الى شرطي امريكا في المنطقة والذي بسببه تحولت الى قاعدة امريكية ربما اكثر اهمية من اي ولاية من ولاياتها الخمسين الامر الذي ضمن لاسرائيل مساعدات مالية وعسكرية غير مشروطة اضافة الى غطاء سياسي وصل الى اكثر من ثمانين فيتو امريكي حماية لجرائمها وكان قد سبق ذلك تمرير المشروع النووي الصهيوني بمساعده فرنسية وغض الطرف من باقي الدول الاوروبية الوازنة تتوج بان اصبحت اسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة.
هذه البيئة السامة التي خلقتها الحركة الصهيونية في المنطقة التي تعتبر الاهم جيوسياسيا على امل ان تكون نقطة انطلاقها للسيطرة على العالم بدأ بالشرق الاوسط ، هذه الحالة قطعا لن تدوم بالرغم من تعاون البعض من حكام العرب في خلق هذه الحالة حماية لعروشهم وذلك بسبب التغيرات التي تشهدها دول العالم وتحديدا بعد الفشل الذريع الذي لحق بوحدانية القطبية وظهور اقطاب اخرى مثل روسيا والصين وربما لاحقا الاتحاد الاوروبي وهو ما يبشر ببريسترويكا شرق اوسطية .
حاولت اسرائيل على مدار سنين طويلة مستخدمة كل اسلحتها انفة الذكر واساسها اسلحة العداء للسامية وابتزاز المحرقة من اجل ان تحصل على العضوية الكاملة في الاتحاد الاوروبي ولكنها فشلت في ذلك وهو ما جعلها تتجه نحو حكام العرب تحت غطاء التطبيع من اجل السيطرة على منطقة الشرق الاوسط واعتقد انها هي ايضا في طريقها الى الفشل بعد ان تعرت اسرائيل اخلاقيا وسياسيا من كل شعوب المنطقة وباقي شعوب العالم بسبب عنصريتها واطماعها التي لم تعد تخفى على احد اضافة الى كشف حقيقة جيشها الذي لا يهزم والذي صار على وشك ان يصبح جيش من المعوقين جسديا بسبب الحروب التي لم تتوقف وعقليا ايضا بعد ان اصبح هذا الجيش تحت قيادة شخص مريض نفسيا ويعاونه في ذلك وزراء فاشيين.
اسرائيل قامت ككيان للحركة الصهيونية العنصرية و ليس لاسباب توراتية وهي مجرد ذرا للرماد في العيون ولكن كقاعدة انطلاق كما اسلفت من اجل حلم صهيوني لم يعد قابل للتحقيق وهو الهيمنة والسيطرة على المنطقة ومنها الى العالم وهو ما يستدعي اعادة الاعتبار صهيونيا للحلول الواقعية والمنطقية والممكنة وهي ان تكون اسرائيل دولة شرق اوسطية الى جانب دولة فلسطين كباقي دول المنطقة او ان تبقى كما هي كيان يحمل بين ثناياه كل وسائل تدميره وذلك بعد ان لم يعد هناك اي امكانية لديمومة تسويق الرواية الصهيونية المزورة ولا اي امكانية لتسويق سلاح العداء للسامية بعد السابع من اكتوبر وما تلاه من حرب ابادة بحق الفسطينيين التي تقوم بها اسرائيل بقيادة مريض نفسي بحثا عن انتصار وهمي ينقذه من السجن.
ما يحصل في غزة منذ السابع من اكتوبر والى حد ما في الضفة وامام شاشات التلفزيون اسقط كل اوراق التوت التي غطت بها اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال عورتها الديمقراطية التي تدافع عن نفسها وذلك منذ نشأتها علما بان ما نقوله كان قد تم التمهيد له في تقارير منظمة العفو الدولية والهيومان رايتس ووتش وبيتسيليم غير قابلة للتشكيك والتي اقرت جميعها وبدون لبس ممارسة اسرائيل لسياسة الفصل العنصري والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين والذي تتوج مؤخرا بدعوى تم قبولها اقامها الناجون من نظام الفصل العنصري الجنوب افريقي ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية.