رسالة فلسطينية
الكاتب:
أحمد نسيم برقاوي
نحن الفلسطينيين نتملك الحق النظري المطلق في فلسطين ولا نتملك قوة تعين هذا الحق واقعياً، وبالتالي إن الحق النظري غير متطابق مع الإرادة الواقعة، فالإرادة غير الواقعية ،بوصفها إرادة غير فاعلة حتى لو قدمت تضحيات مادية، هي في الحقيقة سلب للحق النظري ،ولهذا قاتلنا بكل أشكال القتال من أجل جزء من الحق يتعين بدولة فلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبلنا باتفاقية أسلو ، أي قبلنا بجزء من الحق يتحقق تدريجياً،،مع اعتراف بشرعية سالب الحق ، لكن العنصرية الصهيونية الواضحة، التي تختلف عن العنصرية المستترة حالت دوننا ودون تحقيق هذا الجزء البسيط من الحق
نحن الآن في عام 2023، وهذا يعني بأن ثلاثين عاماً يفصلنا عن الزمن الذي وقعنا فيه على اتفاقية أوسلو التي لم تر النور.
أيها الفلسطينيون سلطةً وحركةً سياسية وقوىً شعبيةً ومجتمعاً مدنية،لقد قدم لكم نتنياهو الهدية الثمينة الأولى في تاريخ صراعنا من أجل حقنا.هدية لن تتكرر في زمن آخر على ما أعتقد:قدم لكم حكومة أصولية دينية وعنصرية معاً.
والأصولية والعنصرية لا تستطيع أي دولة ديمقراطية في العالم ان تبني علاقة إيجابية معها.كما إن وعي جزء لا بأس به من اليهود ليس باستطاعته قبول هذا الإتحاد بين أصولية دينية يهودية وعنصرية واضحة.
أيها الفلسطينيون لقد وفر لكم نتنياهو وحكومته الحالية شرطاً مهماً وإيجابياً لكفاحكم شرط استغلاله على أكمل وجه.
فالأصولية اليهودية لا تختلف عن الأصولية الأسلاموية، فمنطلقات أية أصولية هي واحدة:نص مقدس، تاريخ متخيل ، وتأويل لا عقلي.
إنها الحالة نفسها التي ينطلق منها الغرب وأمريكا في الخطاب والممارسة لمواجهتها.
بل وهي الحالة نفسها التي خلقت وتخلق شرخاً في المجتمعات بين الأصولوليين من جهة،والعلمانيين المدنيين من جهة أخرى.
أيها الفلسطينيون: لقد منحتكم الأصولية اليهودية العنصرية مناسبة لتجديد كفاحكم وخطابكم.بل لتجديد عقلكم.
اسرائيل اليوم ليست ذات هوية تخلق العصبية المشتركة،فالأصولية في أي مجتمع كان تدق إسفيناً لتقسيم البشر.فها هي إيران الدولة الأصولية تعيش التمرد الشعبي المدافع عن الحرية.الأصولية اليهودية الآن في تناقض مع فكرة الحرية داخل المجتمع الإسرائيلي. وتتناقض مع الحد الأدنى من العقلانية والمعقولية التاريخية. وتهدم تهديماً كلياً فكرة الاعتراف الأخلاقي للكلمة.
وبناء على ما سبق فإن على العقل الفلسطيني أن يتعامل مع هذه الهدية بمنتهى الدهاء، والدهاء هو شدة الذكاء. الدهاء الذي يجمع بين فكرة الحق والنزعة البرجماتية بالمعنى الفلسفي .
فلقد وفرت الأصولية اليهودية والعنصرية اليمينية بوصفها سلطة حاكمة ، لفلسطينيي اسرائيل، أي الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فرصة كبيرة من أجل المساواة في الحقوق، وهم أدرى بالطرق الناجعة لكفاحهم.
كيف السبيل لخلق جبهة صد اسرائيلية فلسطينية وإسرائيلية يهودية ؟ آخذين بعين الاعتبار بوجود معارضة اسرائيلة للأصولية اليهودية ذات ماهية عنصرية.
أنا لا أملك جواباً عن هذا السؤال.
أما في الضفة وغزة فإن وجود أصولية فلسطينية تناقض الأصولية اليهودية ليس بذات أهمية، فصراع المتشابهين لا يثمر جديداً.
وتأسيساً على ذلك فإن جبهة فلسطينية عريضة في الضفة وغزة مع الاحتفاظ بالاختلاف،يجب أن تتوحد خلف خطاب انسانوي مساواتي ذي علاق بالحق الفلسطيني والسلام والإعتراف وتقديمه للعالم بجهد معرفي وإعلامي قوي.
إن هذا الخطاب في شروط ما سميته بهدية حكومة اسرائيل الحالية سيكون فاعلاً جداً جداً على مستوى العالم. والخطاب هذا يجب أن يؤسس لصور الكفاح اليومية.
وهذا يتطلب أن تكون النخبة الفلسطينية فاعلة في الحياة وفي المؤسسة.فإهمال النخبة الفلسطينية بسبب السلطة،خطر كبير.مجتمع بلا نخبة مجتمع بلا عقل.
لقد وفرت الحكومة الأصولية-العنصرية إمكانيات للكفاح الفلسطيني يجب أن لا تضيع،فالإمكانيات التي لا تتحقق وتموت تميتنا معها.فالإمكانيات لا تولد إلا في رحم الحياة الموضوعية.
والنخبة العقلية السياسة والمعرفية وحدها تعرف التمييز بين ممكن قابل للتحقق ومستحيل لا قيمة له.