“فورين أفيرز”: كيف يمكن لترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا؟
المؤشر 18-12-2024 مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تنشر مقالاً كتبه الأستاذ الجامعي والباحث الأميركي مايكل ماكفول، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا من عام 2012 ولغاية عام 2014، تحدّث فيه عن الطريقة التي يمكن للرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتمادها لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
خلال مناظرة تلفزيونية على قناة “سي أن أن” في أيار/مايو 2023، وعد دونالد ترامب بأنّه في حال تمّ انتخابه، سينهي الحرب في أوكرانيا في يوم واحد. وقد أصبح هذا التعهّد المتفائل حالياً أمراً شائعاً، مع إصرار الرئيس المنتخب على تمتّعه بالقدرة الفريدة على جلب روسيا وأوكرانيا إلى طاولة الحوار والتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وأثارت عودته الوشيكة إلى البيت الأبيض قدراً كبيراً من التكهّنات على ضفتي الأطلسي حول احتمالات التوصّل إلى اتفاق سلام. ومنذ أن شنّت روسيا هجومها الواسع في عام 2022، كانت كييف ومؤيّدوها حذرين من إظهار اهتمامهم بالمفاوضات، خوفاً من أن يُنظر إلى القيام بذلك على أنّه ضعف. إلا أنّ انتخاب ترامب لولاية رئاسية جديدة، سيمنح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حرية أكبر للمشاركة في المفاوضات، بحيث يمكنه القول إنّه لا يملك خياراً آخر. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، في مقابلة مع شبكة “سكاي نيوز”، أشار إلى أنّه مستعد بالفعل للتفاوض.
لكن الأوضاع الميدانية لا تساعد على التوصّل إلى اتفاق. فالحروب عادة ما تنتهي بطريقتين: إما بفوز أحد الطرفين، أو بالوصول إلى طريق مسدود. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد بأنّه سيفوز. وفي حال هدّد ترامب بقطع المساعدات عن أوكرانيا، فسيصبح بوتين أكثر جرأة لمواصلة القتال، وليس إنهاء هجومه؛ فقلّما تتوقّف الجيوش المتقدّمة عن القتال عندما يكون خصمها على وشك أن يصبح أضعف. وإذا شعر بوتين أنّ ترامب وفريقه الجديد يحاولون استرضاء الكرملين، فسيصبح أكثر عدوانية، وليس أقل.
وينبغي للدروس المستفادة من المفاوضات الأميركية مع حركة طالبان خلال فترة ولاية ترامب الأولى أن توجّه تفكير الرئيس المنتخب بشأن التعامل مع بوتين. فقد تفاوضت حركة طالبان وإدارة ترامب على صفقة كانت إيجابية للغاية للجماعة المسلحة، والتزمت بها إدارة بايدن. وتضمّنت شروطها وقف إطلاق النار، ووضع جدول زمني لرحيل القوات الأميركية، والتعهّد بالقيام بتسوية سياسية مستقبلية بين الحكومة الأفغانية وطالبان. إلا أنّ حركة طالبان لم تلتزم بهذا الاتفاق؛ واستخدمت بدلاً من ذلك خطة السلام هذه كمحطة لتحقيق النصر الكامل. وبالتالي، فإنّ استرضاء طالبان لم يحقّق السلام، ولن يفلح أيضاً في التوصّل إلى اتفاق مع بوتين. وبدلاً من إعطاء بوتين كل ما يريده – وهذا ليس مثالاً على براعة الرئيس المنتخب التي يتباهى بها كثيراً في عقد الصفقات – يتعيّن على ترامب ابتكار خطة أكثر تعقيداً وتشجيع أوكرانيا على التنازل شكلياً عن بعض الأراضي لصالح روسيا مقابل حصولها على عضوية “الناتو”.
لطالما أعرب ترامب وعدد من حلفائه في خطابهم عن الارتياب بشأن الدعم الأميركي لأوكرانيا. فهم يعتبرون أنّ دعم كييف يشكّل استنزافاً للموارد المالية الأميركية ولم يحقّق الكثير لإنهاء الحرب. إلا أنّ قطع التمويل عن أوكرانيا بشكل مفاجئ الآن لن يحقّق السلام؛ ولن يؤدي ذلك إلا إلى تحفيز المزيد من العدوان الروسي.
وللعمل من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام، يتوجب على ترامب أولاً تسريع عملية تسليم المساعدات العسكرية لأوكرانيا التي تمت الموافقة عليها مسبقاً، ثم الإشارة إلى اعتزامه تقديم المزيد من الأسلحة لوقف الهجوم الروسي الحالي في دونباس، المنطقة الشرقية المتنازع عليها بشدة في أوكرانيا؛ وبالتالي، خلق حالة من الجمود في ساحة المعركة. وذلك لأن بوتين لن يتفاوض بجدية إلا عندما لا تعود القوات المسلحة الروسية قادرة على الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية – أو الأفضل من ذلك، على الرغم من أنه أقل احتمالاً، عندما يبدأ الجنود الروس في خسارة الأرض. ولكي تبدأ مفاوضات جادة، يتعيّن على بوتين أولاً أن يصدّق بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أوكرانيا.
وبعد أن يقنع بوتين بالتفاوض، يجب على ترامب أيضاً إقناع زيلينسكي بوقف القتال. وسيكون ذلك بمثابة تحدٍ كبير، لأنّ القيام بذلك سيتطلب من الرئيس الأوكراني التخلي عن السعي لتحرير جميع الأراضي الأوكرانية التي احتلها الجنود الروس. ومن خلال التخلي عن الأرض، سيتعيّن على زيلينسكي أيضاً التخلي عن مواطنيه في تلك المناطق المحتلة أو إيجاد طريقة لضمان السماح لهم بالهجرة إلى غرب أوكرانيا. ولا يوجد زعيم منتخب بطريقة ديمقراطية يقدّم مثل هذا التنازل باستخفاف
ولن يقدّم زيلينسكي والشعب الأوكراني مثل هذه التضحية من دون الحصول على شيء قيّم في المقابل: عضوية “الناتو”. فالانضمام الفوري إلى “الناتو” من شأنه أن يساعد في تعويض التنازل المرير المتمثّل في السماح لجزء كبير من بلادهم بالبقاء تحت الاحتلال الروسي. وهذه هي البطاقة الوحيدة التي يمكن أن يلعبها ترامب لإقناع الأوكرانيين بوقف القتال.
وفي مثل هذه التسوية، فإنّ توقيت إعلان حلف شمال الأطلسي عن عرض العضوية على أوكرانيا سيشكّل أيضاً أهمية كبيرة. ويجب أن يصدر الحلف الدعوة الرسمية في اليوم الذي يتفق فيه زيلينسكي وبوتين على وقف القتال. وبعد أن يدعو حلف شمال الأطلسي أوكرانيا للانضمام، يتعيّن على الدول الأعضاء التصديق على انضمام البلاد بسرعة. ويتعيّن على ترامب الإشارة شخصياً إلى دعمه المطلق كي لا يؤخّر قادة “الناتو” الآخرون عملية التصديق. وفي الوقت الراهن، يتمتع ترامب برأس مال سياسي هائل يمكنه استخدامه لإقناع الرافضين المحتملين، بما في ذلك رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو. وينبغي له أن يستخدم هذا النفوذ في وقت مبكر من رئاسته لتأمين صفقة سريعة وإنهاء الحرب المروّعة في أوكرانيا.
ويعتبر المشككون أن بوتين لن يقبل أبداً بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أنّ أوكرانيا وأعضاء الحلف لا يحتاجون إلى طلب الإذن من بوتين، ولا مكان لهذا الأخير في المفاوضات بين أوكرانيا والحلف. والسماح له بتعطيل أو تأجيل هذه المداولات سيكون بمثابة علامة على الضعف الأميركي، ليس في مواجهة موسكو فحسب، بل في مواجهة بكين أيضاً.
وإذا تمّ تحديد الوقت المناسب لدعوة أوكرانيا إلى الانضمام إلى حلف “الناتو” عندما تنتهي الحرب، فإنّ ذلك اليوم سيكون الأكثر عظمة في مسيرة بوتين المهنية. وسيكون قادراً على أن يعلن للشعب الروسي والعالم أن هجومه كان ناجحاً، وأنه “انتصر”. وسيحتفل بالنصر في الساحة الحمراء مع زعماء الصين وإيران وكوريا الشمالية فوق قبر لينين. وسيحتل مكاناً في كتب التاريخ الروسية إلى جانب بطرس الأكبر، وكاثرين العظيمة، وستالين باعتباره رئيس الكرملين الذي قام بتوسيع حدود الإمبراطورية الروسية. وفي “يوم النصر” المزعوم هذا، لن يرغب في إفساد انتصاره بشن حرب أخرى أو التهديد بحرب أخرى في محاولة لمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وقد أعرب بعض الساسة في دول حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك ألمانيا وهنعاريا، عن مخاوفهم من أن يؤدي انضمام أوكرانيا إلى الحلف إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. وقالوا بما أنّ هناك جزءاً من البلاد في أيدي روسيا، فإنّ اندلاع حرب أوسع يُعدّ أمراً لا مفرّ منه في حال أصبحت أوكرانيا عضواً في “الناتو”. وهذا التحليل قد يكون خاطئاً. ويتعيّن على القادة الألمان بشكل خاص أن يفهموا المزايا التي توفّرها عضوية حلف شمال الأطلسي بالنسبة لدولة مقسّمة. فقد انضمت ألمانيا الغربية إلى حلف “الناتو” في عام 1955، ولم يشعل هذا الأمر شرارة الحرب العالمية الثالثة، على الرغم من أنّ برلين الغربية كانت محاطة بأراضي ألمانيا الشرقية. بل على العكس من ذلك، فقد ساعدت عضوية حلف شمال الأطلسي في الحفاظ على السلام. فربما لم تكن ألمانيا الغربية لتتمكّن وحدها من البقاء مع الجيش الأحمر السوفياتي على الحدود في ألمانيا الشرقية
وبشكل عام، ستستفيد أوروبا اقتصادياً من أوكرانيا المستقرة والآمنة. إذ لن يحتاج حلفاء “الناتو” بعد الآن إلى تقديم المليارات من المساعدات الاقتصادية لكييف أو رعاية ملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين يستنزفون أنظمة الرعاية الاجتماعية في الدول الأوروبية. وكما قام حلف “الناتو” بتسهيل التنمية الاقتصادية في أوروبا الغربية خلال الحرب الباردة، فإن عضوية أوكرانيا في الحلف من شأنها أن تساعد اقتصادات جميع حلفاء “الناتو” على الاستفادة من التجارة والاستثمار في الاقتصاد الأوكراني المزدهر في فترة ما بعد الحرب. كما سيستفيد الاقتصاد الأميركي، ولا سيما من القدرة على الوصول إلى المعادن الحيوية في أوكرانيا من أجل البطاريات المتطورة وغيرها من التكنولوجيات الحيوية، وهو ما قد يساعد في تقليل الاعتماد الأميركي على المورّدين المستبدّين وغير الموثوق بهم.
هناك شخص آخر يحتاج إلى الاقتناع بمزايا خطة السلام هذه، وهو ترامب. نظراً لشكوكه السابقة بشأن المساعدات المقدّمة لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بشكل عام، لن يكون من السهل إقناعه بسلوك هذا المسار. ومع ذلك، فإن مثل هذه الصفقة تدعم الكثير من أهداف ترامب.
قد تكون الصعوبات متراكمة لمواجهة هذه الخطة. فلن يتمّ إقناع بوتين أو زيلينسكي بسهولة بالجلوس إلى طاولة الحوار، وقد يستاء ترامب من ضرورة الاستمرار في دعم أوكرانيا، بل وحتى توسيعه، كوسيلة لفرض المفاوضات.