العدالة الاجتماعية في زمن الحصار: حماية العمال الفلسطينيين واجب وطني في وجه الاستعباد

المؤشر 22-05-2025
بقلم: د. إكرام الحج مير
في ظل تصاعد العدوان على قطاع غزة واستمرار القيود الخانقة في الضفة الغربية، يواجه الشعب الفلسطيني أحد أقسى أشكال الحصار المركّب: حصار خارجي تفرضه قوة احتلال ترتكب جرائم ممنهجة، وحصار داخلي تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يدفع المواطن " وبالأخص العامل " إلى واجهة الاستهداف والتهميش.
العمال الفلسطينيون: دعامة الصمود الوطني
منذ السابع من أكتوبر، لم تعد الحماية الاجتماعية مطلبًا تنظيميًا أو بندًا حقوقيًا فقط، بل أصبحت ضرورة ملحّة في معركة الصمود الوطني. لقد تحوّل العامل الفلسطيني إلى ركيزة أساسية في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وعنوانًا لصمود الإنسان الفلسطيني في وجه محاولات الإفقار والإذلال.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن معدلات البطالة في الضفة الغربية بلغت مستويات قياسية تجاوزت 507,000 عاطل عن العمل، بينما فقد أكثر من 220,000 عامل من الداخل المحتل مصدر رزقهم بشكل مفاجئ، في ظل غياب أطر الحماية والتعويض.
كما أن ما يقارب 66% من العمال الفلسطينيين يعملون ضمن الاقتصاد غير المنظم، دون عقود أو ضمانات أو تأمينات، ما أدى إلى فقدان أكثر من 70% من أسرهم لمصدر دخلها الأساسي. وتدل هذه المؤشرات على أزمة حقيقية، تتجاوز الجوانب الاقتصادية لتصل إلى محاولة ممنهجة لكسر إرادة الإنسان الفلسطيني عبر بوابة التجويع والإفقار.
المسؤولية الوطنية في مواجهة التحديات
على الرغم من إدراك حجم التحديات التي تواجه الحكومة الفلسطينية نتيجة سياسات الاحتلال، كاحتجاز أموال المقاصة والقيود على الموارد، فإن ذلك لا يُعفي الجهات الرسمية من واجبها في تبنّي سياسات حماية عادلة وفعّالة. إن غياب رؤية وطنية متكاملة للعدالة الاجتماعية يُعد ثغرة خطيرة تمسّ أساس الاستقرار الاجتماعي وتعزز مناخ الإقصاء واللامساواة.
إن ترك مئات الآلاف من العمال وأسرهم لمصيرهم، تحت ذرائع الأزمة، يُنذر بانهيار مقومات الانتماء والثقة، ويُمهّد لنشوء أجيال مهمّشة تفتقد لأدنى مقومات الأمان الاجتماعي والاقتصادي.
الحماية الاجتماعية في ظل الاحتلال: تحدٍ وطني
إن الحديث عن حماية اجتماعية في ظل اقتصاد خاضع لهيمنة استعمارية لا يمكن أن يكون حديثًا تقنيًا فحسب، بل هو جزء أصيل من معركة التحرر الوطني. فإسرائيل لا تسيطر فقط على الأرض والموارد، بل تتحكم في المعابر، وتحتجز الإيرادات، وتحرم العمال الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.
رغم ذلك، يمكن بناء منظومة حماية اجتماعية فعالة، إذا ما تم دمجها ضمن استراتيجية وطنية للمقاومة والصمود، تتجاوز الإغاثة المؤقتة إلى التمكين المستدام، وتُعيد الاعتبار للإنسان كقيمة مركزية في مشروع الدولة الفلسطينية.
حماية العمال: أولوية وطنية واستثمار استراتيجي
حماية العمال ليست خيارًا تقنيًا، بل واجب وطني ملحّ يجب أن يُدرج ضمن أولويات السياسات العامة، من خلال:
1. إقرار وتفعيل قانون ضمان اجتماعي معدل وشامل، يراعي خصوصية الواقع الفلسطيني، ويضمن كرامة العامل.
2. إنشاء صندوق طوارئ وطني دائم لدعم العمال المتضررين من الحرب، بإشراف مستقل وتمويل محلي ودولي.
3. إطلاق برامج تشغيل طارئة في القطاع العام والبلديات، لتوفير فرص عمل مؤقتة وتحريك الدورة الاقتصادية.
4. توفير تأمين صحي شامل للعاملين في القطاع غير المنظم، لا سيما في المناطق المتضررة والمهمشة.
5. تطوير قواعد البيانات العمالية لضمان الشفافية والعدالة في توزيع برامج الدعم.
6. اعتماد نموذج الاقتصاد التضامني عبر دعم التعاونيات والمبادرات المجتمعية والإنتاج المنزلي.
خاتمة: حماية العمال بوابة الانتماء والتحرر
إن التهجير لا يقتصر على الأرض، بل يشمل أيضًا التهجير من العمل، ومن الكرامة، ومن الانتماء. ومن هذا المنطلق، فإن حماية العمال الفلسطينيين تمثل استحقاقًا وطنيًا، وتعبيرًا صادقًا عن الالتزام بالمشروع التحرري الشامل.
إن الدولة التي تُهمل عمّالها تُفرّط في أساس بنائها.
والشعب الذي لا يصون عرق الكادحين، يفقد جوهر تماسكه ومناعته.
فلا يمكن الحديث عن تحرر حقيقي دون عدالة اجتماعية، ولا عن سيادة دون أمن اقتصادي، ولا عن وطن دون كرامة عمل.
وعليه، فإن حماية العمال ليست فقط أداة للصمود، بل ركيزة من ركائز التحرر والانتماء، وامتحان حقيقي لصدق التوجه نحو بناء دولة عادلة، قوية، وراسخة الجذور في أرضها وشعبها.