كتاب المؤشر

هل يقود الحراك السياسي بريطانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين؟

المؤشر 26-09-2024   

بقلم : أحمد عبدالوهاب

اعترفت دول عدة بدولة فلسطين، وهو أمر بالغ الأهمية في مسيرة القضية التي شهدت على مدار سنوات حالة من التشابك والتعقيد، بسبب تعنت إسرائيل الواضح، وظهرت أسباب ذلك، منذ أحداث 7 أكتوبر، والتي استغلته إسرائيل بمحاولة إنهاء القضية الفلسطينية، بتهجير أصحاب الأرض، وتنفيذ المشروع الاستيطاني، وهو الأمر الذي قوبل بصمود غير مسبوق من الفلسطينيين، الذين يفضلون الموت عن ترك وطنهم للاحتلال.

وشاهدنا مظاهرات في دول عدة، مؤيدة لدولة فلسطين، وتطالب بإنهاء العدوان الغاشم على قطاع غزة، والتوقف عن إراقة دماء المدنيين الأبرياء، وكانت بريطانيا من أكثر الدول التي كانت وما زالت تنطلق فيها المظاهرات، وتشهد حركًا واسعًا، سعيًا لتحقيق الضغط السياسي، من أجل وقف العدوان على غزة، والاعتراف بدولة فلسطين، وإذا حدث ذلك، سيكون نقطة تحول في مسار حل القضية الفلسطينية، واستعادة الأرض من العدو الإسرائيلي المُحتل.

وجاءت مطالبة نائبة حزب العمال الريطاني، المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، بمواصلة مسيرتهم، بمثابة وسيلة ضغط تؤكد العزم على عدم التوقف عن دعم فلسطين، في ظل زيادة حدة الصراع، وهو الأمر الذي يتطلب تكثيف الضغط السياسي، لأن حزب العمال يمثل الأغلبية الواضحة في بريطانيا، ويتطلب الأمر تحويل هذه الأغلبية إلى عمل وإلى تغيير في السياسة.

مظاهرات حزب العمال يجب أن تستمر، في جميع المحافل داخل بريطانيا، لإنهاء الصراع المروع الممتد منذ عام 1948، لذلك من الضروري أن تقوم حكومة حزب العمال ببذل مزيد من الجهد لحماية الفلسطينيين وحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل. التي تخالف به بريطانيا القانون الدولي، ويؤكد فشل الحكومة والمملكة المتحدة المتكرر في الوفاء بالالتزامات الأساسية للقانون الدولي. ومن ضمن مطالب حزب العمال، فرض عقوبات على إسرائيل، وليس وعدها بصفقة تجارية معززة.

وصل غضب المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، إلى إغلاق مداخل وزارة الخارجية في لندن، احتجاجًا على فشل حكومة حزب العمال الجديدة في بذل المزيد من الجهد لتغيير سياسة المملكة المتحدة تجاه الهجوم الإسرائيلي على غزة. وهو الأمر الذي دفع نائبة الحزب، للمطالبة بالاستمرار في المظاهرات، التي قد تسهم في تغيير سياسة بريطانيا تجاه فلسطين، والمضي قدمًا للاعتراف بها.

لم يتوقف الأمر عن إغلاق مقر وزارة الخارجية البريطانية فقط، بل قام الآلاف بإغلاق مصانع الأسلحة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. ومقر وزارة العمل، وخلال الانتخابات التي جرت في يوليو الماضي، وحقق فيها الحزب نجاحًا كبيرًا، وتصدرت القضية الفلسطينية المشهد، وواجه رئيس الحكومة البريطانية «كير ستارمر»، انتقادات شديدة عندما أشار في مقابلة إلى أن لإسرائيل الحق في قطع الضروريات الأساسية مثل الكهرباء والمياه عن غزة، التي يسكنها حوالي مليوني شخص.

أثار ستارمر استياء الكثيرين في يسار حزب العمال بسبب افتقاره إلى السرعة في الضغط من أجل وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ أن هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر 2023. ومع ذلك، كان قلقا بشكل معقول بشأن ربط حزب العمل باليسار المتطرف، الذي كان الرد على أحداث 7 أكتوبر مثيرًا للجدل إلى حد كبير.

وزعم ستارمر أن الاعتراف بالدولة يجب أن يكون جزءا من المساهمة البريطانية في عملية السلام المتجددة، في ضوء تحقيق حل الدولتين. والآن بعد أن أصبح في السلطة، فإن التحدي الذي يواجهه ستارمر هو أن هذه الصيغة من الاعتدال والحذر من غير المرجح أن ترضي أعضاء حزبه. وسوف يتم اختبار ذلك إذا استمرت الحرب في غزة، كما يبدو مرجحًا، ولم يتحقق التقدم نحو إحياء حل الدولتين.

تشير الإحاطات السياسية الصادرة عن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال إلى أن ستارمر حريص على أن تلعب بريطانيا دورًا أكثر نشاطًا في السعي لتحقيق السلام. ويتضمن ذلك إنشاء صندوق دولي للسلام الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك فإن حتى أكثر المراقبين تفاؤلاً للحرب يظلون متشككين في إمكانية إحراز تقدم دبلوماسي سريع، نظرًا لموقف حماس والسياسات التي ينتهجها رئيس وزراء إسرائيل الحالي ومجلس وزرائه.

لقد تشكل الكثير من تاريخ تورط بريطانيا في المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية من خلال تعهدات متناقضة، ووعود لم يتم الوفاء بها، وتصورات عن الخيانة. وهناك الكثير مما يمكن أن يقال عن الحديث عن العدالة للفلسطينيين، والأمن للإسرائيليين، والسلام للمنطقة. ولكن هناك بعض الخطر في التظاهر بأن قدرة بريطانيا على تحديد مسار الأحداث في الشرق الأوسط أعظم مما هي عليه في الواقع.

ويسعى حزب العمال لتحسين علاقاته بالمؤيدين للقضية الفلسطينية، وهي الكتلة التي كان لها دور كبير في فوز الحزب في الانتخابات الماضية، بعد أن كان يظهر في السابق بالتلاعب بالكلمات في محاولة لإرضاء أنصار فلسطين، وفي الوقت نفسه عدم إغضاب اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، مما جعل ردود الفعل متباينة حول التزام حزب العمال بالاعتراف بفلسطين.

التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية، والتي تطالب بوقف إطلاق النار في غزة لا تتوقف، وقد يؤدي المشهد إلى تغيير سياسة لندن نحو القضية الفلسطينية، بعد ما كانت تدعم بشكل واضح ومطلق، الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة، بحجة الدفاع عن النفس من هجمات حماس، ولكن الآن تغيرت الخريطة السياسية، بعد فوز حزب العمال في الانتخابات الماضية، بفضل الأصوات المؤيدة لفلسطين.

في ظل حالة التوتر التي تشهدها المنطقة، يجب تكثيف الحراك السياسي، لأن بريطانيا لا يمكن أن تخسر الولايات المتحدة حليفها الاستيراتيجي، خصوصًا وأن واشنطن تدعم إسرائيل بشكل مُطلق، وتقدم مساعدات ودعم غير محدود لإسرائيل، وهو الأمر الذي يطلب ضغط سياسي من جانب حشود المتظاهرين، لتغيير وجهة بريطانيا، للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا حدث ذلك، سيكون انتصار كبير وخطوة هامة، لإنهاء القضية الفلسطينية.

في المقابل، لن يترك اللوبي اليهودي في بريطانيا، الأمر تسير في صالح فلسطين، ومن المؤكد أنه سيبذل جهود مكثفة، لإعادة تأييد بريطانيا الكامل لإسرائيل، وهو ما يجعل مهمة المتظاهرين سواء من حزب العمال، أو الطلاب أو المسلمين في بريطانيا، ليست سهلة على الإطلاق، ولكنها ليست مستحلة، لذلك من الضروري، استمرار الحشود والمظاهرات المؤيدة لفلسطين، كونها الوسيلة الوحيدة التي من الممكن أن تأتي بنتيجة إيجابية، في صالح القضية الفلسطينية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى