في غزة أكثر من الحرب وفي المنطقة أقل من الحرب
المؤشر 10-08-2024
بقلم: د. جمال زحالقة
يكثر الحديث عن سيناريوهات الحرب الإقليمية الشاملة وعن جهود ومساع لتفاديها، ويتواصل الكلام عن اليوم التالي وعن التوترات الداخلية في إسرائيل، وتنتهي النقاشات عادة بطرح سلسلة من علامات الاستفهام وعدم اليقين. الأمر الحاضر المؤكّد هو أن حرب الإبادة الجماعية والدمار الشامل على غزة لا تتوقّف، وتتواصل فيها المجازر والتدمير والتهجير، ويستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في فرض واقع حياتي رهيب على الباقين على قيد الحياة في غزة. وحين يُطرح السؤال إلى متى؟ يعد نتنياهو بالمزيد، وربّ صادٍ لا يروه المزيد!
غزة فوق سقف الحرب
ما يجري في غزة هو أكثر من حرب، فمهما وسّعنا مفهوم هذه الكلمة، تبقى دلالاتها أضيق من حجم وفظاعة الجريمة الكبرى التي ترتكبها الدولة الصهيونية في قطاع غزة. فقد زادت نسبة الشهداء في غزة عن 2% من السكّان وإذا أضفنا المدفونين تحت الأنقاض والموتى، نتيجة تدهور العلاج والبيئة الصحية، فستغدو النسبة أكبر بكثير. والمصيبة أن حالة المعاناة الرهيبة ستبقى لفترة طويلة حتى لو توقّفت الحرب، إذ أشارت دراسات نشرت في أهم المجلات الطبية في العالم، إلى أن عدد الضحايا قد يصل في السنوات المقبلة إلى نسبة 10% من سكّان غزة، نتيجة ما زرعته الحرب من أمراض ومن خراب. الأوضاع في غزة ستبقى كارثية، حتى لو جرى التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وإن كانت المعاناة ستخف فهي ستبقى لسنوات بمستوى لا يتحمّله بشر.
طالما بقي قرار مواصلة حرب الإبادة والدمار، إسرائيليا، فالحرب ستتواصل لسنوات. يكفي النظر في الشروط التي وضعها نتنياهو في خطابه المشؤوم في اجتماع كونغرس التصفيق الأمريكي: أولا، القضاء على حماس، ثانيا، ضمان أن تكون غزة منطقة منزوعة السلاح، ثالثا، إعادة المحتجزين ورابعا، اجتثاث التطرّف. والشرط الرابع تحديدا هو من النوع الذي يمنح إسرائيل إمكانية مواصلة الحرب بلا حدود. كيف بالضبط ستقوم الدولة الصهيونية باجتثاث التطرّف؟ ما طُرح إسرائيليا هو تغيير مناهج التعليم وصهينتها، ومراقبة وسائل الإعلام وما تنشره، وضمان حدوث تغيير جذري في قبول أهل غزة للدولة الصهيونية بلا علاقة بمعاناتهم منها. طبعا هذا مستحيل، وعندها يأتي الرد الإسرائيلي: إذا لم تقتنع فارحل! وهكذا يتحول مشروع «اجتثاث التطرف» إلى أداة من أدوات التطهير العرقي والحرب الدائمة. ما يجري علميا هو تحضير الأرضية لفرض احتلال طويل الأمد على غزة لتحقيق الأهداف «المستحيلة»، وهذا يعني لسنوات. ولا يغّير في هذا الاتجاه أن الجيش ليس متحمسا لهذه الفكرة، فالمستوى السياسي، وبالأخص غالانت ونتنياهو، سيفرضه على المستوى العسكري. في المحصلة الراهنة حرب الإبادة والتدمير والتطهير العرقي في غزة مستمرة في ميادين تتجاوز سقف الحرب التقليدية، في سبيل تحقيق أهداف الغزاة، ويبدو أن هذه الأهداف صعبة المنال، إن لم تكن من المحال. أمّا المفاوضات وإمكانيات التوصل إلى صفقة تبادل تشمل وقفا لإطلاق النار، فهي محصورة عمليا بالإطار الذي فرضه نتنياهو وهو مرحلة أولى من الصفقة ووقف مؤقت لإطلاق النار لمدة شهر ونصف الشهر على الأكثر. هذا في أحسن الأحوال، أمّا في الواقع فلا يبدو أن هناك تزحزحا في الموقف الإسرائيلي الرسمي، الرافض للصفقة التي اقترحتها إسرائيل نفسها ووافقت عليها حركة حماس. وما نشهده من جولات تفاوض ومن تصريحات أمريكية وعربية وحتى إسرائيلية لا تعدو كونها «غيوم ورياح ولا مطر»، كما جاء في الكتاب المقدس. ولعل من أهم أسباب انتخاب يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، خلفا لإسماعيل هنية، أن قيادة حماس تعي حقيقة الأمر، بأن الحرب مستمرة، وأن مركز الثقل هو المواجهة العسكرية في غزة وليس الحركة الدبلوماسية في الخارج.