رياضة

الأوروغواي مرشحة دائمة على عرش كوبا أميركا

المؤشر 23-06-2024   توجهت أنظار عشاق كرة القدم اللاتينية إلى ملاعب الولايات المتحدة الأميركية، التي تستضيف النسخة الـ 48 من بطولة كوبا أميركا، بحضور 10 منتخبات من أميركا الجنوبية، و6 منتخبات من أميركا الشمالية.

منتخب الأوروغواي أحد المرشحين الدائمين في بطولته المفضلة كوبا أميركا، ويسعى في هذه النسخة لحصد اللقب الـ16، وفض الشراكة مع المنتخب الأرجنتيني، الذي يقاسمه العدد نفسه من ألقاب البطولة.

الاكتشاف الثاني لأميركا

عندما تلعب البرازيل كرة القدم يتهيأ لك أنك تسمع وقع موسيقى راقصة، وعندما تلعبها الأرجنتين تضرب رأسك أصداءٌ صاخبة قادمة من الشوارع، وعندما تلعبها فرنسا تشم رائحة عطورٍ تفوح بهدوء، وعندما تلعبها إيطاليا تسمع صدى سيوفٍ ودروع، وعندما تلعب إنكلترا كرة القدم يلدع لسانك مذاق غريب لطعامٍ مجهول.

كل تلك الخيالات تحدث في آنٍ واحد عندما تلعب الأوروغواي كرة القد هذه هي كرة القدم التي عرفها شعب “الأورغوا”، وهي كل شيٍء بالنسبة إلى ذاك الوطن وذلك الشعب، ولولاها لما كانت أوروغواي التي سحرت عشاق المستديرة في النصف الأول من القرن الماضي.

أمة من صنيعة كرة القدم

كيف وصل إلى قلب بيوتنا بلدٌ بعيدٌ و صغير كالـأوروغواي؟ ثم كيف لجدي أن يعرف هذا البلد في وقتٍ لم يكن هناك أي من وسائل للتواصل والمعرفة سوى صحفٍ محلية تملك زوايا ثابتة للأخبار العالمية؟ إنها كرة القدم، اللعبة التي صنعت أمة يعرفها جميع سكان الأرض ممن مروا عليها،عبر قرن من الزمان حتى الآن.

بلدٌ أصغر من أن تلحظه في الخريطة، عدد سكانه (3.4 ملايين نسمة). البلد المحشور بين البرازيل (200 مليون نسمة) من جهة، والأرجنتين (41 مليون نسمة) من جهة ثانية، كان عليهِ أن يفعل شيئاً قبل أن يذوب، فكانت كرة القدم طوق نجاتهِ الوحيد.

“كانوا أكبر وأقرب مما يجب”، يقول دييغو فورلان، وهو من أساطير “لا سيليستي”، الأمر الذي “أجبرنا على أن نعتمد عليهم اقتصادياً، ونتأثر بهم، سياسياً واجتماعياً”.

“لكن هذا لم يحدث”، يكمل فورلان “لأن أجدادنا صنعوا من كرة القدم روحاً واحدة للمجمتع، ورفعوا اسم الوطن كمعجزةٍ لا تزول”.

وهذه الحقيقة كعين الشمس، فلم يسجل التاريخ بلداً بحجم أوروغواي، يملك لقبين في كأس العالم، و15 لقباً قارياً.

الهوية التي وُلدت من دون وعي مسبق مع أول كرة وُجدت في الأوروغواي، كانت خلاصة فطرة الشارع بما فيه من فقراء ومنبوذين، وما يتميزون به من رشاقة ومكر ومهارة وعنف. هذا المزيج هو باختصار ” جارا شاروا”، أو ما تعريبه ” مخلب شاروا”، بحيث ارتبطت كرة القدم الأوروغوانية بهذه الموروث الشعبي ارتباطاً وثيقاً حتى تشكلت كهوية وفلسفة كرويتين خاصتين.

 

فالمخلب هو ما تحتاج إليه للانقضاض وتثبيت الفريسة، وشاروا إرث عرقي قديم من السكان الأصليين، الذين دخلوا معركة خاسرة أمام المستعمرين، لكنهم  لم يستسلموا حتى تمت إبادتهم.

 

كل مباراة لمنتخب السيلستي (الأزرق السماوي) ينظر إليها اللاعبون على أنها معركة، وتتفاعل روح الشاروا داخلهم، وخصوصاً عندما يواجهون منتخبات ودولاً كبيرة، فيدخلون معركتهم الخاسرة لتلزمهم هذه العقلية بالقتال حتى آخر نفَس، وعدم توفير أي وسيلة داخل المستطيل الأخضر، بما فيها المكر والعنف والمثابرة والمهارة.

 

وهذا ما فعله هيكتور كاسترو في نهائي النسخة الأولى عن كأس العالم، والتي استضافتها الأوروغواي عام 1930، فنجح مع زملائه في قلب تأخرهم أمام جارتهم الارجنتين إلى انتصار بـ 4-2 وتحقيق لقب عالمي أول. وكاسترو، الذي حفظ التاريخ اسمه كمسجل للهدف الرابع، وأيضاً كمحتال عنيف، استخدم بقية ذراعه المبتورة لضرب المنافسين وإعاقتهم طوال المباراة من دون أن يترك للحكم وقتاً كافياً لملاحظته.

 

واستعانت الأوروغواي مرة أخرى بهذه الفلسفة في حصد لقب مونديال 1950، من الجار البرازيلي في “ماراكانا”، بحضور 200 ألف متفرج، ليكمل قائد السيليستي أوبدوليو فاريلا ما قام به كاسترو، عندما أمسك الكرة وناقش الحكم أكثر من 5 دقائق بعد هدف البرازيل، حتى سكتت مدرجات الماراكانا تماماً، واستثمر المكر ليبدد نشوة السامبا في أسرع طريقة، ليكمل فاريلا ما بدأه ويقاتل مع لاعبي منتخبه حتى اللحظة الأخيرة، ويقلبوا تأخرهم إلى انتصار بهدفين بعد أن خاطب زملاءه: “أما أن ننتصر وإما سيقتلوننا هنا”. ويصف لاحقاً عراب أدب كرة القدم الأوروغوياني، إدوارد غاليانو، ما حدث في واقعة “الماراكانا” بأنها أكثر لحظات الصمت رعباً في تاريخ كرة القدم.

 

وبهذه العقلية أيضاً، اتّبع لويس سواريز روح أجداده، في كثير من لقطاته مع المنتخب، وأشهرها لمسة اليد التي منع فيها هدفاً قاتلاً لمنتخب غانا في كأس العالم، في جنوب أفريقيا عام 2010، ليعطي منتخبه فرصة الذهاب إلى ركلات الترجيح والتأهل لنصف النهائي في تلك النسخة.

هذا التوازن بين المهارة والمكر وعدم الاستسلام منح الأوروغواي عصر ذهبياً في ثلاثينيات القرن الماضي وخمسينياته، حصد فيها البلد الصغير أغلبية إنجازاته الكبيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى