من الاخر- تبدأ الحرب لاسباب وتنتهي لأسباب اخرى تماما
المؤشر 39-05-2024
بقلم : د. أحمد رفيق عوض
الاجماع الدولي الذي حظيت به اسرائيل بعد السابع من اكتوبر و الالتفاف الجماهيري الداخلي كان غير مسبوق في تأييد الحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني ، و قد صورت هذه الحرب بأعتبارها الحرب التي ستضع حدودا و تطرح اجابات لهذا الصراع الطويل و الباهظ ، و بدا و كأن اسرائيل قاب قوسين او ادنى من تحقيق اهدافها المعلنة و غير المعلنة و قد صمت القريب و البعيد انتظارا للنتائج المتوقعة او المأمولة او المطلوبة ، ليس هذا فقط ، بل تدفقت المساعدات العسكرية و التغطية السياسية و حتى التبريرات الاخلاقية لفظائع لم يكن الا الاعمى الحاقد لا يراها ، كان يمكن لهذه الحرب ان تكون حربا سريعة و حاسمة و بدون اضرار سياسية او اخلاقية ، كان يمكن تبريرها او تمريرها كما اعتاد الغرب الاستعماري ان يفعل اتجاه تصرفات اسرائيل و اخطائها و خطاياها ، و لكن الامر لم يكن كذلك هذه المرة ، فقد بدأت الحرب بعدة اهداف ضمن اهداف اخرى مضمرة او مسكوت عنها ، و كان لا يمكن الا ان يرى المدقق ان هذه الحرب ذات مستويات عديدة من الاهداف القريبة و البعيدة ، الظاهرة و غير الظاهرة .
الان ، و بعد كل هذا الوقت الذي شهد الكثير من الدم و الدمار ، و تمدد الصراع و تداعيه لساحات و اطراف اخرى ، و بعد كل هذه الخسارات و خيبات الامل ، فأن الحرب في مكان اخر تماما ، فالحرب تغير المشاركين فيها و المشاهدين لها ، الحرب تغير ميدانها و ادواتها و اهدافها الى درجة انها تتحول الى ان تكون حربا اخرى غير تلك التي كانت .
بعد ما يقرب من ثمانية اشهر فأن الحرب المجنونة ادت فيما ادت اليه الى ما يلي :
اولا: لم تعد اسرائيل تحارب الشعب الفلسطيني فقط ، بل انها اصبحت تحارب القانون الدولي و دولا اخرى و نخبا و جامعات و منصات اعلامية و هيئات دولية متعددة ، توسعت الحرب كثيرا و كان على اسرائيل ان تحارب على جبهات لم تكن في الحسبان على الاطلاق .
هي الان حرب اخرى ، يضطر فيها بعض قادة اسرائيل الى التهديد العلني بالسحق و المحق لكل من يقف في طريقهم .
ثانيا : خسارات اسرائيل لا تقتصر على المعدود او المحسوس بل اصبحت هذه الخسائر على مستوى الصورة و الرواية ، فقد صارت هناك مراجعات قاسية لصورة اسرائيل و سياساتها و تدخلاتها و تأثيراتها و طبيعة العلاقة المستقبلية معها ، هذه التغيرات اخذت في الظهور اكثر فأكثر في ذلك الانفصال و الانفصام ما بين صناع القرارات الغربي و الشارع لديهم .
ثالثا : الولايات المتحدة هي القوة الاكثر سيطرة و تأثيرا في الصراع العربي الاسرائيلي ، و لكنها و منذ السابع من اكتوبر منيت بالكثير من الخسائر ايضا ، فقد تحركت الهيئات الدولية ضد ارادتها الى حد ما ، و كذلك برزت الى السطح مواقف لم تكن اميركا راضية عنها ، ان محاصرة امريكا و اسرائيل بهذه الطريقة يعني ان النظام العالمي الحالي لم يعد يعكس الصورة الحقيقية لما هي عليه الاوضاع .
رابعا : طرأت تغيرات ليست شكلية على مواقف و توجهات الاقليم العربي ، و ربما كان على هذا الاقليم الان الاستفادة من كل ما يجري ، اذ لا يمكن الاستمرار في ذات العلاقة و ذات التوجه كأن شيئا لم يكن ، لا بد من البناء على ما يجري في العالم ، و هي فرصة كبيرة .
خامسا : السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتم تجاوزها او الضغط عليها او حتى اسقاطها كما ترغب حكومة اسرائيل مدعوة هي الاخرى ان تسبق الاحداث و تتجاوزها ، فالبحث الان يتم عن اطراف اخرى ، و عن ادارات اخرى برعايات متعددة و ذلك يعني ببساطة اما تجاوز ما هو قائم او خلق كيان جديد مقسم و مجزىء ولا يمثل ، لهذا فأن السلطة الوطنية و بعد ثمانية اشهر امام مفترق طرق صعب جدا ، و ربما يكون الاخطر في تاريخها القصير .
سادسا : اسرائيل و بعد ثمانية اشهر من حربها على الشعب الفلسطيني ، تبدو اكثر جدلا و اكثر انعزالا و اكثر تورطا و اكثر اعداءا و اكثر خوفا ، و ما كان ذلك ليكون لولا عقم القيادة في اسرائيل و خواؤها و رغبتها في الحصول على كل شيء دون دفع استحقاق لاي شيء ، بعد ثمانية اشهر من حرب لم تكن من قبل ، يقول قادة اسرائيليون انهم لم ينتصروا على الاطلاق ، ما هو الانتصار الذي يحلم به الاسرائيليون بعد كل هذا الدمار و الخراب و الدم ؟! ربما كان هذا العمى و الغباء الذي اودى بأسرائيل ان تصطدم بالصخور ، تلك التي اشار اليها غانتس في تهديده المسرحي .
هذه هي الحرب ، تبدأ بمقدمات و اسباب و اهداف و تنتهي لما هو غير متوقع على الاطلاق .