ماس: لا يمكن معالجة قضايا العمالة الفلسطينية ما لم يطرأ تغيير جوهري على بنية وهيكل الاقتصاد
المؤشر 27-04-2024 عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) الجلسة الأولى من جلسات الأيام الدراسية التي ينفذها المعهد في إطار مناقشة عدد من الدراسات التي أنجزها مؤخراً، وناقشت هذه الجلسة دراستين؛ الأولى بعنوان “العمالة الفلسطينية في إسرائيل: اتجاهاتها، دوافعها، وتأثيراتها” وأعدها د. ماهر الكرد، اسلام ربيع، وصبري يعاقبة، وعقب عليها السيد عزمي عبد الرحمن ممثلاً عن وزارة العمل، فيما ناقشت الدراسة الثانية “اللامساواة في الحالة الفلسطينية: ما بين الاستعمار الاستيطاني وعجز السياسات العامة” وأعدها د. ياسر شلبي، انمار رفيدي، شارك في الجلسة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم.
افتتح الجلسة السيد مسيف جميل، منسق البحوث في ماس، مرحباً بالحضور وذكر أن هذا اليوم الدراسي الاول الذي يغطي سلسلة من الدراسات القطاعية. وأوضح أن المعهد قد بدا منذ خمس سنوات ببرنامج بحثي حول الدراسات القطاعية، اذا تعتبر هذه السلسة استكمالا لدراسات قطاعية متنوعة بهدف خدمة صانعي القرار والمهتمين. وشكر مسيف الصندوف العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي على دعمه المتواصل في اعداد هذه الدراسات.
هدفت الدراسة الأولى إلى تحديد الملامح الرئيسية للعمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي: اتجاهاتها، ودوافعها، وتأثيراتها، من أجل التعرف على القضايا والمحددات التي ستحكم آفاق وإمكانات مستقبل العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك من خلال البحث في العوامل الجوهرية التي تمكننا من التعرف على دوافع العرض في الجانب الفلسطيني للعمل في إسرائيل، والطلب في الجانب الإسرائيلي على العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي، والآثار الناجمة عن هذه الظاهرة على الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967.
استنتجت الدراسة بأنه لا يمكن معالجة قضايا العمالة الفلسطينية وفق أولويات التنمية الاقتصادية الوطنية، ما لم يطرأ تغيير جوهري ونوعي على بنية وهيكل الاقتصاد، وإنهاء خضوعه للسياسات الاقتصادية الإسرائيلية، وممارسة السيادة الفلسطينية على الحدود الدولية والأراضي والمصادر الطبيعية، والحق في صياغة وتطبيق سياسات اقتصادية وطنية تحرر الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 من التبعية والارتهان العميق للاقتصاد الإسرائيلي، وأوصت الدراسة على ضرورة توجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة نحو تنشيط وتوسيع مساهمة القطاعات الإنتاجية، في الصناعة والزراعة والإنشاءات، ووضع النظم والقوانين التي تعمل على حماية المنتجات المحلية، باعتبارها الشروط التي لا غنى عنها لتوليد فرص عمل جديدة في الاقتصاد المحلي. كما تقترح الدراسة إعادة تنظيم حركة العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي وفقاً للاتفاقيات الموقعة، بما يؤدّي إلى قيام وزارة العمل بالدور الرئيسي، ما يشكل حماية للعمال من استغلال الوسطاء، وذلك إضافة إلى تعبئة جهود الدول المانحة لدعم جهود وزارة العمل في إلزام إسرائيل بتوفير الحماية القانونية للعمال الفلسطينيين، وتحويل كامل مستحقاتهم وفقاً لما نص عليه بروتوكول باريس.
وفي تعقيبه على الدراسة بين عزمي عبد الرحمن أن اسرائيل خططت لموضوع استغلال العمالة الفلسطينية قبل عام 1948، وأن الاقتصاد الفلسطيني في تلك الحقبة كان متطوراً أكثر من العديد من الدول المجاورة، وبين أن وزارة العمل تقدمت بطلبات ولأكثر من مرة لتنظيم قطاع العمالة داخل الخط الأخضر ولكنها قوبلت بالرفض من قبل الجانب الاسرائيلي، ودعا إلى الضرورة التفكير بشكل جدي بكيفية توطين العمالة الفلسطينية داخل الاقتصاد الوطني، أما فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجر، أوضح أن 37-40% من العمال يتاقضون اقل من الحد الأدنى للأجور بواقع 14% داخل الضفة الغربية والباقي في قطاع غزة.
فيما هدفت الدراسة الثانية إلى دراسة مستوى وبنية اللامساواة في الحالة الفلسطينية من منظور شمولي، فهي تتناول بالتحليل أبعاد اللامساواة في الحالة الفلسطينية، ليس من منظور الأبعاد الاقتصادية المرتبطة بالدخل والفقر والاستهلاك ومستويات المعيشة فحسب، بل تتعداها لتشمل مختلف الأبعاد التنموية، بما فيها الحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، وخدمات الطاقة والمياه.
أظهرت الدراسة أن اللامساواة في الحالة الفلسطينية ترتبط أساساً بسياق الاستعمار الاستيطاني، الذي يعمل على شتى الأصعدة الممنهجة وغير الممنهجة لضرب جميع البنى التنموية الفلسطينية، وبالتالي تدمير بنى المساواة. كما أظهرت الدراسة أن السياسات والإجراءات التي تتخذها السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم مما يشوبها من أوجه قصور، قد تسهم في الحد من حالة اللاتنمية، وبالتالي حالة اللامساواة بين المناطق والشرائح الاجتماعية المختلفة، إلا أنها تبقى عاجزة عن إحداث التنمية، والحد من الفقر، وتعزيز المساواة، في ظل استمرار السياق الاستعماري. وبالتالي، فإن أية عملية تنموية حقيقية تشمل تحقيق التوزيع العادل في الوصول إلى الموارد والخدمات، والحصول عليها، ترتبط أساساً بمبدأ حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، والتنعم بدولتهم المستقلة.
كما أظهرت الدراسة أن اللامساواة في الحالة الفلسطينية لا ترتبط بالمؤشرات الاقتصادية فحسب (الفقر والدخل والأجور)، وإنما تشمل مجمل الأبعاد التنموية، بما فيها الحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، وخدمات الطاقة والمياه. ومن هنا، فإن الحد من اللامساواة في الحالة الفلسطينية يتطلب نهجاً شمولياً يركّز على مجمل الأبعاد التنموية، ولا يقتصر على الأبعاد الاقتصادية فقط.
اجمع الحضور على ضرورة أن يكون هناك تدخلات عاجلة تتماشى مه المرحلة غير العادية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، مع ضرورة التفكير بشكل جدي وخارج الصندوق لاستيعاب صدمة العمالة والحد من اللامساواة الناجمتان عن الاثار السلبية للعدوان الاسرائيلي على غزة والضفة الغربة.