مع تخلي الصين عن سياسة صفر كوفيد.. كيف سيبدو اقتصادها في عام 2023؟
مع اقتراب الصين أكثر من أي وقت مضى، من عودة الانفتاح الكامل بعد 3 سنوات من الإجراءات الاحترازية، التي فرضتها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا، وإعادة الاندماج مع العالم، فإن التوقعات بشأن اقتصادها مرتفعة.
ومن المتوقع أن يضخ المحور الأخير من استراتيجية بكين الصارمة “صفر كوفيد”، التي أعاقت الأعمال التجارية لفترة طويلة، حيوية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، في 2023
وأدت عمليات الإغلاق والقيود على الحدود بسبب فيروس كورونا، إلى تأخر الصين عن باقي العالم، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد وإلحاق الضرر بتدفق التجارة والاستثمار.
وبينما يواجه الاقتصاد العالمي الآن، تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الطاقة، وتباطؤ النمو وارتفاع التضخم، يمكن أن يوفر إعادة الانفتاح في الصين، دفعة مطلوبة وفي الوقت المناسب.
لكن من المرجح أن تكون عملية إعادة الفتح متقطعة ومؤلمة، وفقًا لخبراء الاقتصاد، مع استمرار اقتصاد الصين في طريق وعرة، خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 2023. وأضاف الخبراء أن الانكماش التاريخي في قطاع العقارات بالصين، والركود العالمي المحتمل، قد يتسببان في مزيد من المشاكل في العام الجديد.
وقال بو تشوانغ، كبير المحللين في Loomis, Sayles & Company، وهي شركة استثمارية مقرها بوسطن: “على المدى القصير، أعتقد أن الاقتصاد الصيني من المرجح أن يشهد فوضى بدلا من التقدم لسبب بسيط، يرجع لضعف استعداد الصين للتعامل مع كوفيد”.
ومنذ ما يقرب من 3 سنوات، تمسكت الصين بنهجها المتمثل في عدم التسامح مطلقا مع الفيروس، على الرغم من أن تلك السياسة تسببت في أضرار اقتصادية غير مسبوقة وإحباط واسع النطاق. وفي عام 2022، تباطأ النمو بشكل حاد، وانهارت أرباح الشركات، وارتفعت بطالة الشباب إلى مستويات قياسية
ووسط الاضطرابات العامة المتزايدة والضغط المالي، غيرت الحكومة مسارها فجأة هذا الشهر، وتخلت فعليا عن سياسة صفر كوفيد.
وفي حين أن تخفيف القيود، يشكل مصدر ارتياح طال انتظاره بالنسبة للكثيرين، إلا أن المفاجأة التي حدثت فيه قد فاجأت العامة غير المستعدين وتركتهم إلى حد كبير لتدبر أمرهم بأنفسهم.
وأضاف تشوانغ: “في المرحلة الأولية، أعتقد أن إعادة الانفتاح قد تطلق العنان لموجة من حالات كوفيد، التي يمكن أن تطغى على نظام الرعاية الصحية، مما يضعف الاستهلاك والإنتاج في هذه العملية”.
وأدى الانتشار السريع للعدوى بالفعل، إلى دفع العديد من الأشخاص للبقاء داخل منازلهم، وإفراغ المتاجر والمطاعم، كما أجبر المصانع والشركات على الإغلاق أو خفض الإنتاج، لأن المزيد من العمال مرضى.
وقال محللون من كابيتال إيكونوميكس إن “التعايش مع كوفيد سيكون أكثر صعوبة مما يعتقده الكثيرون”، وتوقعوا أن ينكمش الاقتصاد الصيني بنسبة 0.8٪ في الربع الأول من عام 2023، قبل أن ينتعش في الربع الثاني.
كما يتوقع خبراء آخرون أيضا أن يتعافى الاقتصاد بعد مارس/آذار. وفي تقرير بحثي حديث، توقع الاقتصاديون في HSBC انكماشا بنسبة 0.5 ٪ في الربع الأول، ونموا بنسبة 5 ٪ في عام 2023.
سوق العقارات
إعادة الانفتاح العشوائي في الصين ليس العامل الوحيد الذي يضغط على الاقتصاد. ففي عام 2023، يستمر الخبراء في مراقبة كيفية محاولة صانعي السياسات إصلاح قطاع العقارات المتعثر في البلاد، والذي يمثل ما يقرب من 30٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.
وأدت الأزمة في قطاع العقارات -التي بدأت أواخر عام 2021 عندما تخلف العديد من المطورين البارزين عن سداد ديونهم- إلى تأخير أو وقف بناء المنازل المباعة مسبقا في جميع أنحاء البلاد، وهو ما أثار احتجاجا نادرا هذا العام، من قبل مشتري المنازل، الذين رفضوا دفع قروض عقارية على منازل غير مكتملة البناء.
وبينما اتخذت بكين سلسلة من المحاولات لإنقاذ القطاع -بما في ذلك الكشف عن خطة من 16 نقطة الشهر الماضي لتخفيف أزمة الائتمان- لا تزال الإحصاءات ترسم صورة قاتمة.
وتراجعت قيمة مبيعات العقارات بأكثر من 26٪ في الأشهر الـ 11 الأولى من هذا العام، وانخفض الاستثمار في القطاع بنسبة 9.8٪.
وخلال اجتماع سياسي رئيسي، في وقت سابق من ديس، تعهد كبار القادة بالتركيز على تعزيز الاقتصاد العام المقبل، مشيرين إلى أنهم سيطبقون تدابير جديدة لتحسين الوضع المالي لقطاع العقارات وتعزيز ثقة السوق.
وقال محللو كابيتال إيكونوميكس إن “الإجراءات التي تم الإعلان عنها حتى الآن ليست كافية لتحقيق تحول، لكن صانعي السياسة الصينيين أشاروا إلى أن المزيد من الدعم قادم، مما يطمأن مشتري المساكن بما يكفي لرفع المبيعات ربما قبل منتصف العام المقبل”.
مخاوف الركود العالمي
الركود العالمي المحتمل هو مصدر قلق رئيسي آخر سيشكل المشهد الاقتصادي للصين في عام 2023.
وعززت التجارة، النمو الاقتصادي الصيني في وقت سابق من هذا العام، حيث تعززت الصادرات بارتفاع أسعار سلع البلاد وضعف العملة.
لكن في الأشهر الأخيرة، بدأ قطاع التجارة – الذي يشكل حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي للصين ويوفر 180 مليون وظيفة- في إظهار تصدعات نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي.
وخلال الشهر الماضي، تقلصت الشحنات الصادرة من الصين بنسبة 8.7٪ عن العام السابق، وهو أسوأ بكثير من انخفاض أكتوبر/ كانون الأول والذي بلغ 0.3٪. وكان هذا أسوأ أداء منذ فبراير/شباط 2020، عندما توقف الاقتصاد الصيني تقريبا وسط أول تفش لفيروس كورونا.
وتواجه الدول في جميع أنحاء العالم ركودا، حيث يواصل صانعو السياسة رفع أسعار الفائدة لمكافحة ارتفاع التضخم.
وقال محللو كابيتال إيكونوميكس: “لقد تراجعت صادرات الصين بالفعل خلال الوباء، لكن الركود العالمي الذي يلوح في الأفق، يعني احتمال مزيدا من الانخفاض خلال الفترة القليلة القادمة”.