“نيوم”.. مشروع الأحلام السعودي يصطدم بالواقع بعد إنفاق 50 مليار دولار ومخاوف من تعثره

المؤشر 16-03-2025 في أكتوبر الماضي، شهدت جزيرة سياحية على البحر الأحمر حفلًا فاخرًا لإطلاق المرحلة الأولى من مشروع نيوم، بحضور مشاهير عالميين مثل ويل سميث وتوم برادي، فيما عزفت أليشيا كيز أمام نخبة رجال الأعمال والمستثمرين. كان الحدث بمثابة إعلان رسمي عن ولادة “مدينة المستقبل” التي تُمثل حجر الزاوية لرؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تحويل اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط. لكن خلف الأضواء، كانت الحقائق مختلفة تمامًا.
تأخيرات وتضخم في التكاليف
تأخر تسليم المرحلة الأولى من المشروع المعروف باسم سندالا لأكثر من ثلاث سنوات، فيما تجاوزت تكلفته 4 مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف الميزانية الأصلية. على الرغم من حفل الإطلاق الفاخر، ظلت الفنادق غير مكتملة، وعطّلت الرياح القوية عمليات النقل البحري، وبقيت أجزاء كبيرة من الموقع قيد الإنشاء.
مما أثار الشكوك، كان غياب ولي العهد عن الحدث، وهو العقل المدبر للمشروع، رغم إنفاق ما لا يقل عن 45 مليون دولار على الحفل، وفقًا لوثائق داخلية. بعد أسابيع من الحدث، غادر الرئيس التنفيذي للمشروع، نظمي النصر، منصبه بعد ست سنوات من قيادته، وتم تعيين فريق إداري جديد لتوجيه نيوم نحو “اتجاه جديد”.
رقصة “الوهم المتبادل” بين القيادة والتنفيذ
بحلول عام 2024، وصل إجمالي ما أُنفق على المشروع إلى 50 مليار دولار، بينما ارتفعت التقديرات النهائية إلى 8.8 تريليون دولار حتى عام 2080، أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السنوية للسعودية.
كشفت وثائق مجلس إدارة نيوم وتقرير تدقيق داخلي من 100 صفحة، استعرضته وول ستريت جورنال، عن وجود “تلاعب متعمد” في البيانات المالية للمشروع، حيث ضمّن المستشارون، ومن بينهم ماكينزي وشركاه، افتراضات غير واقعية لخفض التكاليف على الورق. كما وجدت المراجعة أدلة على إخفاء الحجم الحقيقي للمخاطر المالية والتحديات الفنية عن القيادة العليا، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلات لاحقًا.
الطموح يتراجع.. من 16 كيلومترًا إلى 800 متر فقط!
كان المخطط الأولي لمشروع ذا لاين يقضي ببناء 16 كيلومترًا بحلول 2030، لكن تم تقليص الخطة بشكل كبير. وفقًا للمراجعات الأخيرة، فإن الهدف الحالي هو افتتاح 2.5 كيلومتر فقط بحلول 2034، منها 800 متر فقط ستكون جاهزة لاستضافة مباريات كأس العالم 2034.
مخاوف من انهيار اقتصادي للمشروع
أظهرت مراجعة داخلية أن منتجع تروجينا للتزلج، أحد مكونات نيوم، ارتفعت تكلفته بأكثر من 10 مليارات دولار، مما خفّض العائد الاستثماري المتوقع إلى 7% فقط، وهو أقل من الحد الأدنى المطلوب عند 9%.
ولتعويض هذه الفجوة، تم رفع الأسعار المستهدفة بشكل غير واقعي، حيث قُدّر سعر الليلة الواحدة في فندق “توليتيم بوتيك” بـ 1,866 دولارًا، مقارنة بالسعر السابق البالغ 489 دولارًا فقط.
ردود فعل غاضبة وتغييرات في الإدارة
نفت إدارة نيوم هذه الادعاءات، معتبرة أن البيانات التي استعرضتها الصحيفة تم تفسيرها بشكل خاطئ، وأكدت أن المشروع “يسير على المسار الصحيح”. فيما نفت ماكينزي أي تلاعب في التقارير المالية، قائلة إنها “تلتزم بالمعايير الدولية في جميع استشاراتها”.
لكن الوثائق تكشف أن بعض الموظفين التنفيذيين الذين أبدوا مخاوفهم بشأن تقديرات التكلفة غير الواقعية تم إقالتهم أو تهميشهم، مما يثير تساؤلات عن الشفافية والحوكمة داخل المشروع.
في ظل تصاعد التكلفة والتأخيرات المستمرة، يواجه مشروع نيوم منعطفًا حاسمًا. فبينما تأمل السعودية أن يصبح المشروع محركًا اقتصادياً بحلول 2030، يتساءل المستثمرون والخبراء: هل يمكن لنيوم أن تحقق طموحاتها الأصلية أم أنها ستنضم إلى قائمة المشاريع الضخمة غير المكتملة؟