العقل المدبر ليانغ وينفِنج يكشف سر نجاح “DeepSeek”
المؤشر 30-01-2025 رغم تصدر مؤسس تطبيق “DeepSeek”، ليانغ وينفِنج، مشهد التكنولوجيا، لكن لقاءاته الإعلامية تظل عملة نادرة، وفي السطور التالية جمعت “العربية Business” أهم ما قاله في لقاءين لصحيفة “دارك ويفز” الصينية خلال عام 2023.
ليانغ وينفِنج، هو مدير صندوق التحوط “هاي-فلاير” الذي أسس “DeepSeek” كمنظومة مستقلة لتطوير النماذج اللغوية الكبيرة، وأكد أنه يهدف إلى بناء ذكاء اصطناعي بمستوى بشري حقيقي، ولم يكن هدفه مجرد استنساخ “ChatGPT”، بل السعي لاكتشاف أسرار الذكاء الاصطناعي العام (AGI).
في الواقع، كان الصندوق عملاقًا خفيًا في مجال الذكاء الاصطناعي منذ فترة طويلة، إذ تأسس في عام 2015، وأنشأ شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي عام 2019، حيث قامت ببناء الحاسوب الفائق “Firefly I” باستثمار إجمالي يقارب 200 مليون يوان، ويضم 1,100 وحدة معالجة رسومية، وبعد عامين، زادت استثمارات “Firefly II” إلى مليار يوان، ليتم تزويده بحوالي 10,000 وحدة “NVIDIA A100”.
وربما يكمن السر الأهم في مؤسس هاي-فلاير، ليانغ وينفِنج، فعندما كان لا يزال يدرس الذكاء الاصطناعي في جامعة تشجيانغ، كان ليانغ مقتنعًا بأن “الذكاء الاصطناعي سيغير العالم بلا شك”، وهو اعتقاد كان يُنظر إليه في عام 2008 على أنه مجرد هوس غير واقعي.
بعد تخرجه، لم يتجه إلى العمل في شركة كبرى كمبرمج مثل أقرانه، بل استأجر شقة رخيصة في تشنغدو وعكف على محاولة اقتحام العديد من المجالات، وتعرض للإحباط مرارًا، إلى أن نجح أخيرًا في دخول عالم التمويل، أحد أكثر القطاعات تعقيدًا، وأسس هاي-فلاير.
وفي سنواته الأولى، كان لديه صديق مهووس بنفس الدرجة، حاول إقناعه بالانضمام إلى فريقه لصناعة آلات طائرة في إحدى القرى الحضرية في شينزن، وهو مشروع كان يُعتبر حينها “غير واقعي”. لاحقًا، أسس هذا الصديق شركة قيمتها 100 مليون دولار تُعرف اليوم باسم DJI.
“كن طموحًا بجنون، وصادقًا بجنون”
حينما أعلنت “هاي فلاير” عن مشروع “ديب سييك” نصيحة المخرج الفرنسي الشهير فرانسوا تروفو للمخرجين الشباب، وهي “كن طموحًا بجنون، وصادقًا بجنون”.
وقال ليانغ إنهم يسعون لتطوير ذكاء اصطناعي عام، فالنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) هي على الأرجح خطوة ضرورية في هذا الاتجاه، وهي تمتلك بالفعل بعض السمات الأولية للذكاء الاصطناعي العام، لذا سينطلقون منهاإلى تطوير نماذج تشمل الرؤية وغيرها من القدرات.
أشار إلى أن ذلك المشروع هو مشروع طويل الأمد بطبيعته، فهو ليس شيئًا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، لكنهم لا يرون ذلك على أنه مجرد استثمار، بل هو أمر يؤمنون به بعمق، وأنهم يعتقدون أن التكنولوجيا المتقدمة دائمًا ما تبدأ بمجموعات صغيرة من الأشخاص الذين يمتلكون رؤية واضحة ويعملون على تحقيقها.
الشراكات
كشف ليانغ إنهم في البداية قرروا العمل بشكل مستقل لأنهم يريدون بناء نموذج قوي خاص بهم، ولكن في المستقبل، عندما يصلون إلى مستويات متقدمة، سيكونوا منفتحين على التعاون مع الآخرين، سواء من ناحية تبادل المعرفة أو حتى مشاركة البنية التحتية الحاسوبية.
وقال إنهم يؤمنون أن الموهبة وحدها لا تكفي، بل يجب أن يكون هناك بيئة تحفّز الابتكار والتجربة، وإنهم في هاي-فلاير، لديهم تقليد في اختيار الأشخاص الذين قد لا يكون لديهم خبرة كبيرة ولكن لديهم شغف وإمكانات هائلة.
قدرة حوسبة
ويرى ليانغ أن الحوسبة الفائقة تعد أكبر أكبر العقبات التي تواجه الشركات التي تعمل في هذا المجال، لكن لحسن الحظ، لديهم خبرة في بناء البنية التحتية الحاسوبية منذ سنوات، فعندما أطلقوا “Firefly I” في 2019، كان ذلك خطوة أولى نحو امتلاك قدرة حوسبة مستقلة،. والآن، مع “Firefly II”، لديهم أكثر من 10,000 وحدة معالجة رسومات (GPU)، مما يمنحهم قدرة تنافسية كبيرة.
وأشار إلى أن البنية التحتية هي مجرد جزء من المعادلة، إذ تحتاج أيضًا إلى خوارزميات متقدمة وبيانات ذات جودة عالية،فالتحدي ليس فقط في امتلاك الأجهزة، بل في كيفية استخدامها بكفاءة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي خلال السنوات العشر القادمة
يعتقد مؤسس ديب سيك أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أكثر تكاملًا مع حياتنا اليومية، وسنرى نماذج أكثر تطورًا يمكنها فهم العالم بشكل أعمق.
أشار إلى أن الدافع الأكبر الذي يجعلهم يستمرون في هذا المسار هو الشغف، فكل شخص في فريقهم لديه فضول لا حدود له لمعرفة ما يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي
أشار:”نحن لا نفعل ذلك فقط من أجل المنافسة أو الربح، بل لأننا نؤمن بأننا نعمل على شيء يمكن أن يغير العالم”.
هل فات الأوان للاستثمار في النماذج اللغوية؟
يعتقد الكثيرون أنه لم يعد الوقت مناسبًا للشركات الناشئة للدخول في هذا المجال، لأن اللاعبين الكبار قد سيطروا على المشهد، ويقول ليانغ إنه في الوقت الحالي يبدو أنه بغض النظر عن الشركات الكبرى أو الشركات الناشئة، من الصعب إنشاء ميزة تقنية تكسر المنافسين في فترة زمنية قصيرة.
فبالنسبة للنماذج اللغوية الكبيرة، مع قيادة OpenAI، ومع كون النماذج كلها مبنية على الأوراق البحثية والكود المنشور، بحلول العام المقبل على أقصى تقدير، ستقوم الشركات الكبرى والشركات الناشئة بإنشاء نماذج لغوية كبيرة خاصة بها.
الشركات الكبيرة والشركات الناشئة كلاهما لديه فرص خاصة به. في المجالات التي تتطلب نماذج كبيرة ومتطورة، الشركات الكبيرة هي التي تسيطر عليها لأن هذه المجالات تتطلب التحكم الكامل في كل مراحل الإنتاج أو الخدمة، وهو ما يصعب على الشركات الناشئة القيام به. لكن هذه المجالات، في النهاية، تكون متنوعة ومجزأة، وتحتاج إلى حلول مخصصة، مما يجعلها أكثر ملائمة للشركات الناشئة التي تتمتع بالمرونة. على المدى الطويل، ستصبح التطبيقات التي تعتمد على النماذج الكبيرة أكثر سهولة في الوصول إليها، وبالتالي ستكون الشركات النائة قادرة على دخول هذا المجال في أي وقت خلال العشرين عامًا القادمة.
وشدد أن موقفهم أيضًا واضح، فهم لا يقومون بالتكامل العمودي أو التطبيقات، بل فقط البحث والاستكشاف، مشيرًا إلى أن الأمر مدفوع بالفضول.
فمن بعيد، يريدون اختبار بعض الافتراضات، على سبيل المثال، فهم أن جوهر الذكاء البشري قد يكون اللغة، وأن التفكير البشري قد يكون عملية لغوية، فأنت تعتقد أنك تفكر، لكنك في الواقع تنسج اللغة في رأسك، وهذا يعني أن الذكاء العام البشري قد يولد من النماذج اللغوية الكبيرة.
الخبرة لا تهم
لا يبحث ليانغ في الأشخاص الذين سيوظفهم عن الخبر، فليس بالضرورة أن يكون الشخص الذي سبق له أداء المهمة هو الأنسب لأدائها، فلديهم مبدأ في التوظيف يعتمد على القدرة وليس الخبرة.
ويرى أنه عندما يقوم شخص ذو خبرة بأمر ما، سيخبرك على الفور كيف يجب أن يتم الأمر، بينما الشخص الذي ليس لديه خبرة سيحاول مرارًا وتكرارًا معرفة كيفية القيام به، وفي النهاية سيجد حلاً يتناسب مع الوضع الحالي.
وقال إن فريقهم الأساسي، وحتى هو شخصيًا، بدأ بدون أي خبرة في المجال الكمي، وهذا شيء فريد، لا يستطيع أن يقول إنه سر النجاح، لكنه جزء من ثقافة High-Flyer.
وقال إن معايير تقييمهم للموظفين لا تركز على كمية الطلبات التي يضعها العملاء، ولكنهم يشجعون موظفي المبيعات على تطوير دوائرهم الخاصة، ومعرفة المزيد من الأشخاص، وزيادة تأثيرهم.
أضاف:”لأننا نؤمن أنه إذا كان لدى موظف المبيعات نزاهة ويثق به العملاء، حتى وإن لم يحقق الكثير من المبيعات في وقت قصير، فإنه سيجعلك تشعر أنه شخص يعتمد عليه”.
وقال إنه بعد اختيار الشخص المناسب، يعطه مهام مهمة ولا يتدخل، يدعّه يكتشف الأمور بنفسه ويلعب بطريقته الخاصة.
تحفيز الابتكار
يرى مؤسس “ديب سييك” أن الابتكار يتطلب أقل تدخل وإدارة ممكنة، بحيث يكون لدى الجميع حرية اللعب وفرصة للتجربة والخطأ، الابتكار غالبًا ما يكون ناتجًا ذاتيًا، وليس موجهًا أو مدروسًا.
وقال إنه في كثير من الأحيان، يكون المثال الذي يقدمه المدير هو ما يصبح الدليل، مثل طريقة اتخاذ القرارات عندما تواجه مشكلة.
أضاف أن الهيكل التنظيمي للعديد من الشركات الكبيرة لم يعد قادرًا على الاستجابة أو القيام بالأمور بسرعة، ويمكنهم بسهولة السماح للتجربة السابقة والجمود أن يصبحا قيدًا، وتحت هذه الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي، ستظهر العديد من الشركات الجديدة.
لا يعرف ليانغ وينفينغ إذا كان ما يقوم به مجنونًا، ولكن هناك الكثير من الأمور في هذا العالم التي لا يمكن تفسيرها بالمنطق، مثل العديد من المبرمجين، الذين هم أيضًا مساهمون مجانين في المجتمع المفتوح المصدر، والذين يتعبون بعد يوم طويل، لكنهم لا يزالون بحاجة للمساهمة بالكود.
فالأمر أشبه بأن تمشي 50 كيلومترًا وجسدك مشلول، لكن روحك راضية