رأي للمؤشر

فلسطين ما بين بايدن البلاستيكي وترامب الصاخب

المؤشر 16-11-2024   

بقلم : اكرم عطالله العيسة

في الثاني عشر من أكتوبر 2023 أي بعد خمسة أيام من عملية طوفان الأقصى السابع من أكتوبر 2023، وصل وزير الخارجة الامريكية انتوني بلينكن الى تل ابيب وبعد ان عقد اجتماعا مع بنيامين نتنياهو وقف في مؤتمر صحفي مشترك بينهما وقال “انا ممتن أن أكون هنا في إسرائيل، أتحدث بشكل شخصي، واتيت كيهودي” بمعني آخر فهو يعلن انه في إسرائيل حتى يحارب مع إسرائيل كتفا بكتف مع الاحتلال الإسرائيلي ضد ما اسماه التطرف والعنف الفلسطيني، وهو بذلك قد اعطى المظلة السياسية وأطلق الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل. لم تمضي سوى عشرة أيام حتى وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن الى إسرائيل وقال ” جئت هنا للتأكد من توفر كل ما تحتاجونه للدفاع عن أنفسكم، وحتى يعرف الناس والعالم اننا نقف مع إسرائيل” انه جو بايدن صاحب المقولة الشهيرة امام الكونجرس الأمريكي عام 1986 التي عبر فيها عن استعداده للدعم العسكري السخي لإسرائيل حيث قال “انه أفضل استثمار قمنا به على الاطلاق بقيمة 3 مليار دولار، لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة ان تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة”، حتى ان بايدن وبعد مرور ما يقارب أربع عقود على موقفه هذا فانه يذهب ابعد من ذلك عندما يقول “ليس بالضرورة ان تكون يهوديا حتى تكون صهيوني”.

يكثر الحديث هذه الأيام ان ترامب سيقوم باختيار العديد من الشخصيات الامريكية اليهودية والمعروفة بتطرفها لتكون ضمن ادارته، وكأن الامر كان مختلفا ابان إدارة بايدن الديمقراطي، بل ربما ان الأعضاء اليهود في إدارة بايدن الديمقراطي اليهود كانوا أكثر مقارنة بالمرحلة الجديدة من اعتلاء ترامب الجمهوري لسدة البيت الابيض، والامثلة عديدة منهم، فبالإضافة الى انتوني بلينكن هناك، ديفد كوهين نائب مدير المخابرات المركزية، ميرك جارلاند المدعى العام، افريل هاينز مديرة المخابرات الوطنية، والمبعوث الأمريكي عاموس هوكشتين وهو الذي خدم يوما في الجيش الإسرائيلي قبل ان ينتقل الى أمريكا، وهنالك غيرهم الكثير. اليهود في إدارة بايدن أكثر عددا من المرشحين اليهود من قبل ترامب ليكونوا في إدارة البيت الأبيض. بكل تأكيد ليس بالضرورة ان تحتكم سياسات الإدارات الامريكية تبعا لعدد اليهود في كل إدارة، خاصة ان بعض اليهود الامريكان ينتمون الى أحزاب وبيئات سياسية مختلفة، لكن من يتتبع الممارسات السياسية الامريكية في عهد بايدن تجاه القضية الفلسطينية يجد مفاصل أساسية مركزية وكذلك قرارات سياسية لا تختلف بشكل جوهري عما يتم توقعه من قبل إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية واستمرارية الدعم لإسرائيل والتنكر للحقوق الفلسطينية.

في السادس من كانون اول 2017 اعترف ترامب بمدينة القدس والتي تم احتلال الجزء الشرقي منها عام 1967 كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ضاربا في عرض الحائط كل القرارات الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة، وبعد اقل من عام قامت الولايات المتحدة الامريكية بنقل سفارتها من تل ابيب الى مدينة القدس. حينها تم التعامل مع مثل هذه القرارات غير المسبوقة على انها أخلت بالدور الأمريكي “المعلن رسميا” الذي يطرح نفسه كراعي لعملية السلام المزعومة، واعتبر الكثيرين ان ذلك يقوض مفهوم الدولتين الذي دأبت الإدارات الامريكية المتلاحقة على طرحه كحل للقضية الفلسطينية. والسؤال الذي طرح نفسه في حينه وبعد ان فاز الديمقراطيون ووصل جو بايدن الى سدة البيت الأبيض، هل نظر الى هذا الموضوع بشكل مختلف او عمل على تصويبه وفقا للشرعية الدولية؟ بمنتهى البساطة فان إدارة بايدن في عام 2020، لم تغير شيئا وفقط استبدلت السفير الأمريكي الواضح في ولائه الصهيوني وتأييده للاستيطان ديفيد فريدمان ووضعت بدلا منه سفيرا جديد اقل سفورا وميلا للدبلوماسية وهو جاك ليو.

خلال المرحلة الممتدة ما بين عام 2016 حتى 2020 وهي ولاية دونالد ترامب الأولى في البيت الأبيض اطلق ترامب ايدي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو، بل انه أي ترامب وادارته امتثلوا للموقف الإسرائيلي حرفيا وتجلى ذلك بما عرف بصفقة القرن التي كان عرابها الأمريكي اليهودي جاريد كوشنير صهر ترامب، والتي كان واضحا انها صياغة إسرائيلية ليس فقط من حيث البعد السياسي بل أيضا بالمنظور الديني التوراتي، وتضمن الخطة استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية، وكذلك ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى إسرائيل، وبقاء القدس تحت السيادة الإسرائيلية. على الرغم من حالة الرفض الفلسطينية لهذه الخطة الا ان كوشنير وترامب استمرا في تهيئة مناخاتها وارضيتها ضمن البعد العربي بحيث تم خلق ساحة عربية تطبيعيه مع إسرائيل تمثل ذلك بما عرف باتفاقية ابراهام ” البحرين، الامارات، المغرب”

وصل بايدن الى البيت الأبيض مطلع العام 2021، وعلى الرغم انه لم يتبنى بشكل معلن صفقة القرن، الا انه بالمقابل أكمل العمل باتفاقية ابراهام من خلال وزير خارجيته انتوني بلينكن والذي عمل بشكل غير مسبوق من اجل اقناع العربية السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، الا ان عملية طوفان الأقصى أطاحت بخططه في الإجهاض على القضية الفلسطينية وتعميم التطبيع عربيا.

على الرغم من الكثير من المماحكات واحيانا بعضا من غضب من قبل بايدن تجاه نتنياهو ومحاولة اظهار بعض الاختلافات ما بين الموقف الإسرائيلي والامريكي في الية إدارة الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين منذ عملية طوفان الأقصى، مثال مطالبات الامريكان بإدخال المواد الغذائية بشكل اكبر الى قطاع غزة، او التحذيرات من دخول رفح، او عدم قبول السيطرة على محور فلادلفيا، وتقليل اعداد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، الا ان كل ذلك لا يعني اية خلافات جوهرية ما بين الموقف الأمريكي والإسرائيلي فلقد حصلت إسرائيل على دعم عسكري ومالي وسياسي ودبلوماسي امريكي غير مسبوق منذ نشأة الكيان الإسرائيلي ” ما يقارب 28 مليار دولار خلال عام”، إضافة الى ذلك لم تتخذ أمريكا أي مواقف يذكر امام التوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين على قرى ومدن الضفة الغربية وانتهاك حرمة المسجد الأقصى التي يقودها كلا من الوزيران بن غبير وسمودريتش، وبدعم واضح من قبل رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.

أربعة أعوام قضاها ترامب على رأس البيت الأبيض 2016 – 2020 كانت زاخرة بالدعم وإطلاق اليد لإسرائيل حتى بدون اية لغة دبلوماسية اعتذارية، وأربعة أعوام أخرى 2021 – 2024 اعتلى سدة البيت الأبيض جو بايدن بوجه بلاستيكي وبمهارة دبلوماسية ووزير خارجية بارد المشاعر يسمع بالمجازر التي تفتك بالفلسطينيين واللبنانيين ولا يرمش له جفن، واما الأعوام الاربعة القادمة فهي بلا شك صاخبة سيعلوها الصراخ والتهديد والوعيد وبعضا من الصفقات، ويبقى السؤال إذا ما كانت ستحمل اختلافات جوهرية مفتوحا.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى