برامج “المخينا” ـ تدريبات “تربوية” ـ عسكرية في مستوطنات الضفة

برامج “المخينا” ـ تدريبات “تربوية” ـ عسكرية في مستوطنات الضفة

المؤشر 04-11-2025   لا تقتصر برامج التعليم الإسرائيلية، بما فيها تلك التي في المستوطنات، على الإسرائيليين في الداخل. تتطلع برامج عدة موجهة إلى اليهود من مواطني دول العالم، إلى دمجهم في منظومة قيم دولة الاحتلال والفصل العنصري، وفي مقدمتها الجيش. وتحتال هذه البرامج، بغض طرف من حكومات الدول، على كل القيود التي تُفرض على أي إنسان أو مواطن فيها، وتجعله مساءلا أمام القانون في كل ما يتعلق بخطاب الكراهية، أو انتهاك القوانين الإنسانية الدولية. ورأينا هذه القيود والضوابط تطبق بشكل كبير ومبالغ به على المسلمين – خصوصا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ـ فوصل الأمر حتى إلى التدخل في تعيين أئمة مساجد أو في عزلهم، وغيرها من القيود.

لكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقليلا ما نرى أن الحكومات الغربية بشكل خاص تتخذ تدابير حقيقية لمراقبة مواطنيها الذين تبيَّن اليوم أن أعدادا كبيرة منهم التحقت بالجيش الإسرائيلي، وقاتلت معه في حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، وفي احتلالها للأرض الفلسطينية ودعم نشاط المستوطنين وعنفهم.

والمفارقة أن ذلك يحدث أيضا عبر برامج تتخذ من الطابع التربوي ستارا لها.

أحدها برنامج “مخينا” بكل تفرعاته ـ وهو برنامج مخصص للطلاب اليهود في دول العالم، الذين أنهوا مرحلة الثانوية، والذين يُعرض عليهم الالتحاق ببرنامج يتراوح بين 9 أشهر وسنة، وغالبا ما يكون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

وتشكل حركة “بني عكيفا” أحد الأمثلة على ذلك. وعلى موقعها الإلكتروني يمكن تلخيص برنامجها الموجه إلى الطلاب اليهود من دول العالم.

وعلى الموقع الإلكتروني باللغة الإنكليزية (http://www.worldbneiakiva.org) تعلن حركة “بني عكيفا” عن برنامج “عولاميت” وهو موجه كما يُذكر إلى الطلاب من الجنسين في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، وإسرائيل. ويعرّف الموقع برنامج “مخينا عولاميت” بأنه برنامج لسنة فاصلة بعد التخرج، وقبل الالتحاق بالجامعة. ومدة “عولاميت” تسعة أشهر ونصف، وهو كما يذكر الموقع “مخصص لخريجي المدارس الثانوية اليهود من جميع أنحاء العالم”، و”يقدم مزيجا فريدا من التدريب على القيادة، والتجارب، والتعليم الصهيوني، واستكشاف إسرائيل – كل ذلك جنبا إلى جنب مع أقرانهم الإسرائيليين”. ويشمل البرنامج – حسبما ذكر الموقع – تدريبا على القيادة، والتعلم الديني وأسلوب الحياة، وخدمة المجتمع، ومحبة إسرائيل، واللياقة البدنية والإعداد العسكري، وتعلم اللغة العبرية، والهوية والشعب اليهودي، والندوات والرحلات، إضافة إلى السلامة والأمن.

وبديهي القول إن حركة “بني عكيفا” الصهيونية اليمينية تعلّم كل من يلتحق ببرامجها الأفكار والرؤى القائمة لليمين الاستيطاني المتطرف في إسرائيل.

وذكر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” بأن الحركة “بفروعها كافة من الداعمين للحركة الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. وكان أعضاؤها من مزوّدي المستوطنات بالمستوطنين، ومنهم من ساهم في إقامة الحركة الاستيطانية (غوش إيمونيم). وشهدت الحركة أشكالا من التطرف العقائدي والسياسي خلال الثمانينيات والتسعينيات.

وفي قراءة سريعة لعدد من القائمين على برنامج “مخينا” الخاص بالحركة يظهر اسم الحاخام آري هابير كأحد منسقي البرامج.

ويبدو من صفحة هابير على “فيسبوك” أنه يعيش في مستوطنة “إفرات” في الضفة الغربية المحتلة (أقيمت هذه المستوطنة عام 1980 على أراضي قريتي الخضر وأرطاس؛ وتقع جنوب بيت لحم). ويُعرف الحاخام هابير بآرائه المتطرفة المؤيدة لحرب الإبادة في قطاع غزة. وفي رسالة نشرها أيضا على حسابه على “فيسبوك”، ينتقد هابير مواقف حاخامات يهود في الولايات المتحدة، اعترضوا على ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، ويقول: إن “الحاخامات في الشتات ليس لهم أيّ حق في توبيخ إسرائيل. فباختيارهم البقاء في المنفى، إنما يطيلون أمده!.

ويتطرق إلى رسالة نشرها أخيرا حاخامات يهود أرثوذكس في أمريكا ويقول، إنها “مثيرة للقلق بشدة”، وإنها “تُلقي اللوم على إسرائيل في معاناة غزة، وتقدم صورة زائفة عن كونها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ.

وبالعودة إلى برنامج “عولاميت” للعام الحالي 2025-2026، فهو يشمل – كما يذكر البرنامج – مرحلة “توجيه” في شهر سبتمبر الحالي، مع قضاء أسبوع في مستوطنات غوش عتصيون (في الضفة المحتلة)، ثم في الأشهر التي تلي أسبوع “مع الجيش”، و”برامج تطوعية” في الضفة الغربية المحتلة، وغيرها.

وفي نظرة على تعريف فصل “اللياقة البدنية والإعداد العسكري”، الذي يقترحه برنامج “عولاميت” على الملتحقين به، يمكن أن نقرأ مقدمة يوضح فيها القيمون على البرنامج أنهم لا يشجعون بالضرورة الملتحقين على الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، إلا أنهم يحرصون “على أن يكون أولئك الذين سيلتحقون بالجيش مستعدين بأفضل شكل ممكن.

ويذكر القيمون بصراحة أنهم ينظمون دروسا وأنشطة تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالخدمة العسكرية، بما في ذلك الأخلاقيات والقيادة وهيكلية الجيش. كما يشمل البرنامج حصص تدريب بدني لجميع المشاركين، ثلاث مرات في الأسبوع، يديرها مختصون، فيما يتولى المشاركون أنفسهم إدارة حصة واحدة على الأقل أسبوعيا. ويخضع الملتحقون لإعداد في الأمن والسلامة من خلال برنامج آخر شريك هو “ماسا” الذي أسسته الحكومة والوكالة اليهودية عام 2004. وعلى نسق برنامج “عولاميت” الخاص بحركة “بني عكيفا”، يمكن رصد برامج أخرى تتيح المجال للطلاب من مواطني الدول في العالم ومن بينها، كندا والاتحاد الأوروبي، للمشاركة.

الشهادة هي للناشط الأمريكي المناهض للاحتلال سام شتاين، الذي شارك بعد تخرجه من المدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية في أحد برامج “مخينا”، قبل أن يحدث تحول جذري في أفكاره، لينتقل من ضفة الاندماج مع الاحتلال، إلى النشاط السلمي المناهض له وللاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.