“ذي إنترسبت”: الحرب على القضية الفلسطينية ومؤيديها في الجامعات الأميركية
المؤشر 23-11-2024 موقع “ذي إنترسبت” الأميركي ينشر تقريراً كتبه عقيلة لاسي ويزن محمد، يتناول محاربة الجامعات للحركة المناهضة لـ “إسرائيل”، وكيف تقوم باستهداف الطلاب الذين يدعون إلى العدالة من أجل فلسطين.
خلال الأسبوع الفائت، ألقت الشرطة القبض على 4 طلاب من جامعة “كيس ويسترن ريزيرف” في كليفلاند بتهم جنائية، تتعلق بتخريب ممتلكات عامة على خلفية احتجاجهم ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. ونُقل الطلاب إلى سجن في مقاطعة كوياهوغا في أوهايو، وهو مركز احتجاز يواجه مطالبات بإغلاقه نتيجة الظروف اللاإنسانية التي تحكمه، والانتهاكات التي يرتكبها موظفوه، واستخدامه نظام الحبس الانفرادي. وخلال نهاية عطلة الأسبوع، أُطلق سراح الطلاب الأربعة.
تُعَدّ عمليات التوقيف جزءاً من اليد الطولى للإجراءات القمعية التي تمارس لمواجهة التظاهرات التي تنظم داخل الحرم الجامعي، والتي بدأت في الربيع، واستمرت حتى خريف هذا العام.
وأظهر مقطع إخباري محلي جداراً كُتبت عليه بالطلاء أسماء فلسطين والسودان والكونغو وهايتي. كما تم رش مدخل المبنى بالطلاء الأحمر، وعُلقت لافتات كُتب فيها/ “جامعتكم تموّل الإبادة الجماعية”.
وكانت الاعتقالات الأخيرة جزءاً من حملة قمع موسعة، أنفقت خلالها الجامعة أكثر من 250 ألف دولار أميركي على موظفي السلامة العامة والمعدات والعلاج، بعد هدم مخيمات الاحتجاج، بما في ذلك إزالة اللافتات والرسوم الجدارية ومسح الشعارات المكتوبة على الجدران داخل حرم الجامعة، وفقاً للوثائق التي راجعها موقع “ذا إنترسبت”. وأفادت الجامعة بأنها لا تستطيع التعليق على التحقيق الجنائي، وأصدرت إخطارات بالتعليق الموقّت أو إنذارات أخرى للطلاب بعد مشاركتهم في التظاهرات التي حدثت في الربيع، ومنعت بعض الطلاب المتخرجين من دخول الحرم الجامعي.
في المقابل، أوقفت الجامعة طالباً واحداً فقط عن الدراسة في فصل الخريف، وهو يوسف خلف، رئيس فرع حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في الجامعة. ويواجه خلف ادعاءات تأديبية في الجامعة، نتيجة اتّباعه سلوكاً تخويفياً، بما في ذلك استخدام شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر”. وتم منعه من دخول الحرم الجامعي حتى ربيع عام 2025. وقال خلف إنه عُومل بصورة مغايرة عن سائر المتظاهرين، وإن قضيته هي الوحيدة التي استعانت فيها الجامعة بشركة خارجية تُسمى ” BakerHostetler”. واتصل مسؤولو الجامعة بالطلاب التابعين لحركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، والذين وزعوا منشورات أو حضروا فعاليات جماعية. وفي هذا السياق، صرّح خلف قائلاً: “إنهم لا يعاملون أي نادٍ آخر بهذه الطريقة. من الواضح جداً أن استثناء القضية الفلسطينية يُطبق في الجامعة”.
ولا يزال هذا الصراع قائماً عبر الإنترنت، وفي ساحات الحرم الجامعي، وفي الإجراءات التأديبية الداخلية، وفي المحاكم. ويقول المنظمون من الطلاب والأساتذة إن الجامعات تنتقم منهم بسبب نشاطهم، وتقيد حرياتهم المدنية وحرية التعبير، بينما تزعم أنها تدعم كليهما
وتحاول الجامعات فرض أي نوع من العقوبات على سجلات الأفراد، بحيث إذا انتقدوا مرة أخرى سياسة الجامعة الاستثمارية، أو عبروا، بأي شكل من الأشكال، عن دعمهم فلسطين أو تضامنهم معها، فقد يشعر الطلاب بالخوف من أن الجامعة قد توجه إليهم المزيد من الاتهامات، التي قد تؤدي إلى عواقب أشد قسوة.
في مقابل الإجراءات القمعية التي تتخذها الجامعات، يضغط الطلاب والمجموعات المناصرة على مديري الجامعات لتغيير تعاملهم مع التظاهرات، ويحاربون السياسات الجديدة التي تحكم الاحتجاجات وحرية التعبير، التي يقولون إنها تظهر تحيزاً مناهضاً للفلسطينيين.
وأدت حملة القمع ضد الاحتجاجات الطلابية إلى تقديم عدد كبير من الدعاوى القضائية والشكاوى الفيدرالية. فعلى سبيل المثال، رفع طلاب في جامعة كاليفورنيا، في مدينة إرفاين، دعوى قضائية ضد مستشار الجامعة وأوصيائها في تموز/يوليو، قائلين إن الجامعة أوقفت المتظاهرين من دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة. وقال المحامي توماس هارفي، ممثل الطلاب، إن الجامعة ترى أن موعد المحكمة المقبل في كانون الأول/ديسمبر غير ضروري، لأن التعليق انتهى، وأنها والولاية تستخدمان كل ما تملكان من أدوات لمنع الأفراد من الاحتجاج على جرائم الحرب والإبادة الجماعية المدفوعة بأموال الضرائب والأموال التي تستثمرها الجامعة. وأضاف هارفي أن الجامعة تخشى خسارة الجهات المانحة. لذلك، يتعين عليها اتخاذ إجراءات صارمة ضد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس حفاظاً على مصالحها المالية.
ووفقاً لشذى شاهين، طالبة الحقوق في جامعة “كيس ويسترن” ورئيسة فرع حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في كلية الحقوق، فإن الجامعة حاولت أن تجعل خلف عِبرةً لغيره. وفي آب/أغسطس، بدأت الجامعة فرض قواعد جديدة تحكم حرية التعبير والنشاط الاحتجاجي. ومنع مسؤولوها إقامة المخيمات واستخدام الصورة المعروضة أو مكبرات الصوت، وباتت الاحتجاجات، التي يزيد عدد المشاركين فيها على 20 شخصاً، تتطلب الآن موافقة لجنة خاصة.
وفي هذا الصدد، قالت مريم العصار، وهي محامية من ولاية أوهايو تعمل مع الطلاب المتظاهرين، وخريجة كلية الحقوق في جامعة “كيس ويسترن”، إن “الأمر متعمد ومحسوب للغاية. ولهذا، يصعب تنفيذ كل هذه الخطوات لإسكاتهم”. وأشارت إلى أن التناقض بين معاملة المنظمين المؤيدين للفلسطينيين والجماعات الأخرى كان جلياً، قائلةً “إنهم يتحدثون إلى هيليل”، في إشارة إلى المنظمة اليهودية المؤيدة لـ”إسرائيل” في الحرم الجامعي، “لكنهم لن يتحدثوا إلى هؤلاء الشبان”.
وفي حين يواجه بعض المتظاهرين الانتقام من المسؤولين الإداريين، يقول آخرون إنهم واجهوا أيضاً التمييز في الحرم الجامعي. ففي نيسان/أبريل، اتُّهم رجل من نيوجيرسي بتخريب مركز الحياة الإسلامية في جامعة روتغرز في مدينة نيو برونزويك في عيد الفطر. وفي الشهر نفسه، قدمت اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز وفرع مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في نيوجيرسي شكوى اتحادية ضد جامعة روتغرز، تفيد بأن الجامعة أظهرت نوعاً من التحيز ضد الطلاب المسلمين والعرب.
وأظهرت الجامعات استعدادها للرضوخ لمطالب الجهات المانحة لمحاولة السيطرة على حرية التعبير بين الطلاب. فالمسؤولون الإداريون مذعورون لأن الجهات المانحة منزعجة من حرية التعبير، ويتوهمون أنهم يستطيعون السيطرة على هؤلاء الشبان، الذين يتعاملون معهم على أنهم تهديد، ويشكلون خطراً على الطلاب والجامعة، على حد سواء. وتعرّضوا لضغوط كبيرة من مختلف المنظمات الصهيونية الموجودة في الحرم الجامعي وخارجه لإلغاء الاحتجاجات. وأظهر عدد من الجامعات الأميركية انحيازه ضد الناشطين من أجل فلسطين، في الوقت الذي يروج بعضها، كجامعة “ماريلاند”، شراكاته الاستراتيجية مع شركات تصنيع الأسلحة، مثل “لوكهيد مارتن” و”نورثروب غرومان”.
والجدير ذكره أن قمع النشاط المؤيد لفلسطين في الحرم الجامعي بدأ قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر بكثير. ففي عام 2017، دان مستشار جامعة ويسكونسن – ماديسون تصويت الحكومة الطلابية لتمرير قانون يدعو الجامعة إلى سحب استثماراتها من الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك في “إسرائيل”، إلا أن استجابة الجامعات لهذه المطالب لبناء مؤسسات أكثر ديمقراطية جاءت معاكسة للغاية، من خلال تقييد الحقوق، التي يتمتع بها الطلاب في الحرم الجامعي وتوسيع دائرة العقوبات التي قد تفرض على الطلاب.
في ظل هذا التمييز، يجد الطالب الفلسطيني نفسه غريباً في الجامعة التي أمضى أو سيُمضي فيها فترة طويلة من حياته. ومعاقبة الطلاب بسبب انتمائهم إلى مجموعات طلابية تتضامن مع القضية الفلسطينية تخبر الطلاب الفلسطينيين بأنه لا يمكنهم العثور على مجتمع مساند في هذه الجامعة. وبالتالي، عندما تكون البيئة قمعية إلى هذا الحد، وعندما تستثمر مؤسستنا في الإبادة الجماعية، وعندما تُستثمر أموال دافعي الضرائب في الإبادة الجماعية، فإن الاستجابة العقلانية الوحيدة ستكون محاولة تنظيم احتجاجات ضد كل ما يحدث. لكن هذه الجامعات تجرّم القيام بذلك!